إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
26530 مشاهدة
أنواع الشرك

ذكر العلماء: أن الشرك نوعان: شرك أصغر، وشرك أكبر، وأن هذه الآية يراد بها الشرك الأكبر؛ فإنه الذي لا يغفره الله. بل أن أصحابه مخلدون في النار، إذا مات المشرك الذي شركه أكبر فإنه يكون مخلدا في النار، ودليل ذلك قول الله تعالى حكاية عن عيسى وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ هكذا أخبر الله أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، فالمراد: الشرك الأكبر الذي هو تنقص للخالق ورفع للمخلوق، وصرف حق الله تعالى لغيره، فكان بهذه العقوبة أن أصحابه إذا ماتوا عليه لا يخرجون من النار، ويكون هذا هو معنى قوله تعالى: رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ هؤلاء الذين أخزاهم الله هم المشركون.
وكذلك يقول الله تعالى: كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا ويقول الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا هؤلاء هم الكفار والمشركون الذين شركهم أكبر، فلا يخرجون من النار - والعياذ بالله - بل يكونون مخلدين فيها، خالدين مخلدين فيها أبدا.
وتكون الآيات التي وردت في التخليد يراد بها المشركون الذين ماتوا على هذا الشرك، كما في قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا الكافرون هم المشركون، وهم الظالمون، قال الله تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ولا شك أن أظلم الظلم هو الشرك؛ ولذلك قال الله تعالى عن عبده الذي هو لقمان أنه قال لولده: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
ولما نزل قول الله تعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ قال الصحابة: يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم: إنما ذلكم الشرك، لم يلبسوا إيمانهم بشرك، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ أي: أن الشرك هو أظلم الظلم؛ وذلك لأنه وضع للعبادة في غير موضعها، وإذا عرف عظم هذا الذنب فإن أصحابه هم الذين يخلدون في النار، فيكون المسلم حذرا من هذا الشرك أن يقع فيه.
ومنه عبادة المخلوق، وصرف شيء من حق الله تعالى له، فهذا هو الذي لا يغفر، يقول فيه ابن القيم في النونية:
والشـرك فاحــذره فشـرك ظاهــر
ذا القسـم ليـس بقابــل الغفران
وهـو اتخـاذ النــد للرحمـن أَيْـ
ـا كـان مـن حجـر ومـن إنســان
يدعـوه أو يرجــوه ثــم يخافـه
ويحبــه كـمحبـــة الـديــان
هكذا أخبر بأنه: ليس بقابل الغفران، أي: لا يغفر وبين أنه اتخاذ الند للرحمن، وقد ذكر العلماء أمثلة لذلك، فذكر ابن كثير في تفسير قول الله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال ابن عباس رضي الله عنه: الأنداد هو الشرك أخفى في هذه الأمة من دبيب النملة السوداء على الصفاة السوداء في ظلمة الليل.
وهو أن تقول: والله، وحياتك يا فلانة، وحياتي، وقول الرجل لأخيه: ما شاء الله وشئت، وقوله: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، وقوله: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلانا هذا كله فيه شرك، يبين رضي الله عنه: أن من أمثلة الشرك ما يقع خفيا ولا يتفطنون له، وأن من قال ذلك فقد وقع في هذا الشرك الذي هو تنديد، أي: جعل الأنداد لله تعالى.
فمنه: الحلف بغير الله ، فإذا قال: وحياتك يا فلان، وحياتك يا فلانة، وحياتي، وشرفي، ونسبي، وبدني، وقلبي، أو حلف بأبيه فإن ذلك شرك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فليحلف بالله، أو ليصمت وقال: من حلف بغير الله فقد كفر، أو أشرك وما ذاك إلا أن الحلف بالمخلوق تعظيم له، والتعظيم لا يصلح إلا للخالق.
وكذلك إذا جعل للمخلوق فعلا مستقلا أو مساويا لفعل الخالق، فإذا قال: ما شاء الله وشئت. فقد جعل مشيئة المخلوق مساوية لمشيئة الخالق؛ فكان بذلك مشركا، ولذلك روي: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندا قل: ما شاء الله وحده وكان بعضهم يقولون: ما شاء الله وشاء محمد فقال: قولوا: ما شاء الله، ثم شاء محمد ؛ وذلك لأن العطف بالواو يقتضي المساواة بين المشيئتين إذا قال: ما شاء الله وشاء فلان، فإذا قال: ما شاء الله ثم شئت فإنه جعل مشيئة المخلوق مترتبة على مشيئة الله، ومتعقبة لها، لقول الله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ .
كذلك إذا قال: لولا فلان لم يكن كذا ، جعله مستقلا بإيجاب هذا الأمر، وهذا أيضا رفع للمخلوق، إذا قال: لولا هذه العمد لسقط هذا السقف فلا يجوز. بل يقول: لولا الله، أو قال: لولا فلان لهلكنا، يعني: هو الذي أنقذنا، هذا فيه أنه مستقل، والله تعالى هو المسبب، فإذا كان له سبب فليجعل سببه متعقبا لله تعالى ولأسباب الله، فيقول: لولا الله ثم فلان، وكذلك قولهم: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، يعني: جعل الكلب هو الذي يحميهم، الحماية من الله تعالى، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، البط الذي إذا رأى السارق يصوت، البط مخلوق لا يملك شيئا، وهكذا بقية الأمثلة.
ومن الشرك: التعاليق، تعاليق التمائم، وتعاليق الحروز وما أشبهها، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: من تعلق تميمة فقد أشرك من تعلقها، يعني: علق قلبه بها، وقال: إن الرقى والتمائم والتولة شرك جعلها من الشرك، وإن كان فيها تفصيل، فإذا فعل شيئا منها معتمدا عليه فقد وقع في شيء من الشرك، ولو كان من الأصغر.
وكذلك من الشرك: التطير الذي هو التشاؤم بالمرئيات وبالأصوات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الطيرة شرك الطيرة شرك يعني: التشاؤم بالمرئيات والمسموعات؛ وذلك لأنه يعظم تلك المخلوقات، ويعتمد عليها في أفعاله فيكون بذلك قد عظم غير الله تعالى.
وهكذا أيضا يقال في بقية أنواع الشرك، وقد فصلها المؤلف محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ، ذكر الأمثلة عليها كثيرة، وكل شيء ينقص التوحيد، كقوله: باب من الشرك الذبح لغير الله، باب من الشرك الاستعاذة بغير الله، باب من الشرك أن يستغيث بغير الله، أو يدعو غيره، إلى آخر ما ذكره، أي: أن هذه من أمثلة الشرك، وأن من فعل منها شيئا أشرك: إما شركا أكبر يوجب الخلود في النار، وإما أصغر لا يغفر إلا بالتوبة، أو بالعذاب العاجل، أو الآجل.
كذلك ذكر من الشرك: الذبح لغير الله، وأمثلته كثيرة، ما ذُكر لنا: أن بعض الناس إذا أراد أن يبني دارا -أن يؤسسها- ذبح عند حفر الأساس، وعند القواعد، عند حفر القواعد مدعيا: أن هذه الذبيحة تحميه من الجن، وهذا ذبح لغير الله، وفي الحديث: لعن الله من ذبح لغير الله .
وكذلك بعضهم إذا اشترى سيارة ذبح عند عجلاتها، يدعي: أن هذه حماية لها عن العين، وحراسة لها عن أن يكون فيها ضرر عليه، وهذا أيضا ذبح لغير الله.
وكذلك بعضهم إذا سكن الدار ذبح عند عتبتها، وهذا أيضا ذبح لغير الله، وكذلك إذا حفروا بئرا، وأرادوا ألا يغور ماؤها ذبحوا عندها، ورأينا أثر الذبائح في بعض العيون التي في الإحساء أنهم إذا كان في ليلة الجمعة ذبحوا عندها، في نظرهم: أن ذلك حماية لها عن أن تغور، ولكن الذين يذبحون تلك الذبائح، كما ذكر هم من الرافضة ولا يستبعد وقوع الرافضة في مثل هذه الشركيات.
لا شك أيضا أن من أعظم الشرك دعاء المخلوق مع الله تعالى، وأمثلته كثيرة:
سمعنا كثيرا يدعون -وهم في الطواف يدعون- غير الله، فيدعون: عبد القادر والرفاعي والتيجاني والبدوي وابن علوان وأشباههم، يطوف أحدهم وهو يردد هذه الأسماء، أو يردد واحدا منها، وكذلك أيضا في الموقف في عرفات دائما وهم يقولون: يا علي يا حسين يا زين العابدين يا فلان، وهكذا أيضا يدعون النبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، يا نبي الله، كل ذلك لا شك أنه دعاء لغير الله، قال الله تعالى: فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ .
ولما كان كذلك كانت دعوة الرسل إلى التوحيد وإلى ترك الشرك هي مبدأ دعوتهم، كل رسول يقول لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أي: لا تتخذوا إلها غيره فتكونون مشركين.
وأول ما دعا إليه نبينا صلى الله عليه وسلم إلى ترك الشرك، بقي عشر سنين وهو يدعو إلى قول: لا إله إلا الله؛ وذلك لأن المشركين يسمون معبوداتهم آلهة، والإله: هو الذي تألهه القلوب، أي: تحبه وتعظمه؛ فلذلك أخذ يقول لهم: قولوا: لا إله إلا الله، ولكنهم يعرفون أن هذه الكلمة تقصر عبادتهم على إله واحد؛ فلذلك تمسكوا بآلهتهم، وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا يعني: لنا آلهة كثيرة فكيف نجعلها لإله واحد؟! وقالوا: أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ قال الله تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ أي: لا نترك آلهتنا.
فعرفت بذلك أن هذا أول دعوة الرسل، كل رسول يقول في مبدأ أمره: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أي: لا تتخذوا معه إلها ولا آلهة، أي: هو إلهكم وحده، هو الإله الذي لا تصلح الألوهية إلا له بجميع أنواعها، فالدعاء تأله لله فلا يصرف لغيره، وكذلك الخوف، والرجاء، والتوكل، والإنابة، وما أشبهها من العبادات، من صرف شيئا منها لغير الله فقد اتخذ ذلك الغير إلها.