اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
26551 مشاهدة
باب في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البخاري رحمه الله:
كتاب الجنائز. باب: في الجنائز، ومن كان آخر كلامه: لا إله إلا الله.
وقيل لوهب بن منبه أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.
وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا واصل الأحدب عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتاني آت من ربي فأخبرني، أو قال بشرني: أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، فقلت: وإن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق .
حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي، حدثنا الأعمش حدثنا شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات يشرك بالله شيئا دخل النار، وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة .


هكذا بدأ البخاري رحمه الله تعالى بهذا الباب أن من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ، وكأنه ما صح عنده الحديث، الذي رواه مسلم وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فيستحب إذا حضر الإنسان عند الميت عند من حضره الموت أن يقول له: قل: لا إله إلا الله؛ حتى يكون آخر كلامه: لا إله إلا الله، وإذا تكلم بعدها أعاد تلقينه برفق حتى لا يضجره؛ وذلك لأنه في حالة حرجة، عند نزع الروح يلقى شدة؛ فلذلك لا يكثر عليه، إذا قال: لا إله إلا الله مرة اكتفى بها، فإن تكلم بعدها أعاد تلقينه برفق، حتى يكون آخر كلامه لا إله إلا الله.
ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة .
وسمعنا أيضا أنه سئل وهب بن منبه قيل: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ، قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك، والمراد: بالأسنان الأعواد التي يخرق لها في المفتاح من الخشب المعروف قديما تسمى أسنانا، وهي التي يحصل بها فتح الأبواب من الخشب المعروفة قديما، كذلك أيضا المفاتيح الأخرى لا بد لها من هذه الوشر التي يحصل بها فتح الأبواب.
وكذلك سمعنا هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة من مات لا يدعو لله ندا دخل الجنة من مات يدعو لله ندا دخل النار من مات يشرك بالله شيئا دخل النار وفي حديث عتبان قال صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله .
فالأحاديث يفسر بعضها بعضا فإن قوله: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة يريد بذلك من يعمل بها، ومن يحقق معنى: لا إله إلا الله، الذين يحققونها هم أهل التوحيد الذين عظم قدر ربهم في قلوبهم، وأحبوا الله تعالى من كل القلوب، وصرفوا جميع أنواع التعظيمات لله وحده، واتخذوه إلها واحدا لا إله غيره، ولم تتعلق قلوبهم بأية مخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الخالق، فهذا هو حقيقة معنى: لا إله إلا الله بمعنى: أنه اعتقد: أن إلهه هو الله، أن الله هو الإله الحق الذي تألهه القلوب محبة وتعظيما وإجلالا، تعظمه القلوب وتحبه وتجله، وتعتمد عليه وحده، وتنصرف بكليتها عن غيره، وإذا كان كذلك فإن الذي يقولها عن قلب وإخلاص لا يصرف شيئا من التعظيم لمخلوق، بل تعظيماته وتعبداته كلها يجعلها لله، فهذا هو الذي حرمه الله تعالى على النار، ولا يدخل النار.
أما إذا كان يدعو لله ندا، يعني: قد جعل مع الله أندادا أو ندا فإنه يدخل النار، وقد ذكر الله تعالى الذين يجعلون لله أندادا، وأنهم يعذبون في قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ فجعلهم من الذين ظلموا؛ لأنهم يحبون أندادهم كحب الله، يحبونها ويحبون الله على حد سواء، فكان ذلك من التنديد، فمن مات وهو يدعو لله ندا دخل النار، ومن مات وهو مخلص لا يدعو لله ندا دخل الجنة.
وإذا قيل: ذكر في هذا الحديث أنه يدخل الجنة وإن زنى وإن سرق، فنقول: نعم، المراد: مآله إلى دخول الجنة، وإن دخل النار للعذاب الذي على الذنب الذي اقترفه، يعذب في النار بقدر ذنبه، ثم مآله إلى دخول الجنة، وهذا إذا لم يعف الله عنه ولم يتب، الله تعالى قد يغفر ذلك الذنب، يغفر ذلك الزنا، أو تلك السرقة، أو غيرها من الكبائر يغفرها إذا شاء لقوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ لمن يشاء، فما دون الشرك إن شاء الله غفره وأدخل صاحبه الجنة على أول وهلة، وإن شاء أدخله النار وعذبه بقدر شركه، ثم مآله إلى أن يخرج بعد ما يمحص ويدخل الجنة.
وبهذا يتأكد على المسلم: أن يلقن الميت الذي يحضره قول: لا إله إلا الله، ويحرص على أن يكون من أهل لا إله إلا الله الذين يعملون بها، ومراده بهذه الكلمة معناها، أن يقولها لفظا وأن يعتقد معناها، وأن يتحقق أن الله هو الإله الحق لا تصلح الألوهية لغيره، وأن ينصرف بقلبه وقالبه عن أية مخلوق، فلا يأله أية مخلوق، ولا يتعلق قلبه بأية مخلوق. بل ربه وحده هو الإله الحق، فجميع العبادات يصرفها لله كلها، فإذا كان كذلك نفعته لا إله إلا الله.