الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
تابع لمعة الاعتقاد
51176 مشاهدة
حديث طلع علينا رجل شديد بياض الثياب

...............................................................................


كل ما في الوجود فإن الله تعالى هو الذي خلقه وقدره تقديرا، وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ يعني: علم الأشياء المستقبلة يسير على الله، فكل مصيبة تحدث فإنها مكتوبة في اللوح المحفوظ، في كتاب مقدر، وقال تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ يعني: إن علم ذلك على الله تعالى يسير.
وقال تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ هذه إرادة كونية فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ويقبل بقلبه إلي الإيمان؛ وذلك فضل منه ورحمة منه. من هداهم الله، وأنعم عليهم، وأقبل بقلوبهم إلى طاعته؛ فإن ذلك فضل منه فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ ويحرمه من الهداية يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ يجعل صدره ضيقا فلا ينشرح للإسلام؛ وهذا فضل منه وعدل، فمن هداه الله تعالى؛ فذلك بفضله، ومن أضله؛ فذلك بعدله.
في حديث جبريل الذي في صحيح مسلم رواه مسلم في أول كتاب الإيمان عن يحيى بن يعمر أحد علماء التابعين قال: كان أول من قال بالقدر عندنا: معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء؟ فوفق لنا عبد الله بن عمر داخلا المسجد الحرام، فاكتنفته أنا وصاحبي، وظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد خرج قبلنا أناس يقرءون القرآن، ويتقفرون العلم وأنهم يزعمون: أن لا قدر، وأن الأمر أنف. يعني: أنهم يزعمون أن الله لا يعلم الأشياء حتى توجد، وأن كل أحد يخلق أفعاله، وأن الله لا يعلم الشقي من السعيد. فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وهم برآء مني. ثم قال: والذي نفسي بيده.. لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما قبله الله منه؛ حتى يؤمن بالقدر خيره وشره.
ثم حدثهم عن أبيه حديث جبريل المشهور: أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر يعني جديد الثياب، أسود الشعر، لا يعرفه أحد منا، ولا يرى عليه أثر السفر ليس من أهل البلد فنعرفه، وليس من أهل البلاد البعيدة فنرى عليه أثر السفر. إذن فما هو ليس من أهل البلاد المدينة وليس من أهل البلاد الأخرى، سأل النبي صلى الله عليه وسلم أسئلة، ومنها: قال: أخبرني عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. فقال: صدقت. صدقه جبريل فدل على أن الإيمان بالقدر من جملة أركان الإيمان.
خيره وشره: يعني تؤمن أن الحوادث التي تحدث مقدرة، وأن المصائب مقدرة، وأن الخصب والجدب مقدرة، وأن الأمراض والصحة مقدرة، كل ما يحدث فإنه مكتوب ومقدر من الله تعالى، خيره وشره.
كذلك ورد في الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم قال: آمنت بالقدر، خيره وشره، وحلوه ومره أي ما يناسب وما لا يناسب، آمنت بأن ذلك مقدر ومكتوب قبل أن يوجد الخلق.
ورد في الحديث: أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن كتب الله تعالى في أم الكتاب كل ما هو كائن، قال الله تعالى: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ الذي هو اللوح المحفوظ.
والمحو والإثبات إنما يكون في صحف الملائكة، الملائكة موكلون، يكتبون أعمال بني آدم، فيكتبون كل ما يقوله وكل ما يعمله، ثم بعد ذلك يقول الله تعالى: امحوا هذا، وأثبتوا هذا. فلا يثبت إلا ما فيه ثواب أو ما فيه عقاب، وأما الذي لا ثواب ولا عقاب فإنه يمحى يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ .
في دعاء القنوت الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن قوله: وقني شر ما قضيت فدل على أن جميع الشرور فإنها قضاء من الله تعالى، وأن العبد يدعو الله تعالى، والدعاء لا ينافي القضاء، الدعاء يكون أيضا من القدر ومن القضاء، وكذلك الأفعال كلها من القضاء والقدر.
روي أن رجلا قال: يا رسول الله.. أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: هي من قدر الله يعني: أن الله تعالى قدر أن هذا المرض يستعمل له الدواء الفلاني، فيكون علاجا له يفيد منه، وكذلك قدر أن الإنسان يتكسب في كذا وكذا فيحصل له كسب وربح، وأن هذا يتعاطى كذا وكذا فيحصل عليه خسران مبين، فيكون بذلك معرضا للثواب أو للعقاب.
نقول: إن كل ما يحدث في الكون فإنه بقضاء الله وقدره.