قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
تابع لمعة الاعتقاد
51150 مشاهدة
قول عمر بن عبد العزيز في هذا الباب

...............................................................................


نقل -أيضا عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أحد الخلفاء الراشدين من بني أمية كلاما معناه: قف حيث وقف القوم. ينهى عن التكلف، وينهى عن التدخل في الأمور الغيبية بالظن. القوم: يريد به الصحابة، والتابعون لهم؛ فإنهم عن علم وقفوا -أي ما تكلفوا في تعلم الأمور الغيبية؛ بل توقفوا عند الحد الذي وصلت إليه أذهانهم، فإنهم عن علم وقفوا -أي ما وقفوا عن التأويل والتحريف؛ إلا لأجل علم، عندهم علم شرعي، وعلم نبوي حملهم على التوقف، وعدم التدخل في الأمور الغيبية؛ لمجرد الظن. وإنهم ببصر نافذ كفوا، رزقهم الله بصيرة نافذة -يعني بصيرة وعلما، فكفوا عن التدخل في الأمور الغيبية، وعن التدخل فيما لا أهمية له، وفي علم الكلام الذي لا يستفاد منه.
وهم على كشفها كانوا أقوى، يعني: يقدرون أن يكشفوا هذه الأمور التي تكلم بها هؤلاء المتأخرون بعدهم، يعني: مثل تكلم المتأخرين في الجواهر، في الجوهر، وفي العرض، وفي الأبعاض، والأعراض، وما أشبه ذلك، فإن هؤلاء تدخلوا فيما لا يهمهم، تدخلوا في علوم ليسوا مكلفين بها. السلف يقدرون على أن يتدخلوا فيها، فيقدرون على كشفها، هم على كشفها كانوا أقوى.
وبالفضل لو كان فيها أحرى: لو كان فيها فضل في الكلام في العرض وفي الجوهر وفي الجهة وفي الحيز وما أشبه ذلك؛ لو كان فيها فضل؛ لكانوا يبحثون فيها، فهم أحرص على الخير.
فإذا قلتم: حدثت هذه العلوم بعدهم، يعني: علم الجواهر، وما أشبهها حدثت بعدهم، فلم يتكلموا فيها.
فيقول: من الذي أحدثها؟ ما أحدثها إلا أناس خالفوا هديهم، يعني: هدي أولئك الصحابة والتابعين، ورغبوا عن سنتهم، وتدخلوا فيما لا يعنيهم.
ثم ذكر أن السلف رحمهم الله الصحابة والتابعين وصفوا منها ما يشفي، وتكلموا منها بما يكفي: وصفوا من هذه الأمور ما يشفي -يعني ما يكون شفاء لمن يريد الحق والصواب. وتكلموا منها بما يكفي، فنقتصر على كلام الصحابة والتابعين.
فذكر أن الذين فوقهم تحسروا، والذين دونهم قصروا: قصر قوم عنهم، وأعرضوا عن الرواية للصفات ونحوها، وقالوا: لا نتدخل فيها، ولا نرويها، فقصروا؛ وذلك لأنهم إذا توقفوا عن تعلم أسماء الله تعالى وصفاته؛ فإنهم يقصرون؛ بحيث أنهم لا يبقون معترفين لله تعالى بصفة، ولا يستحضرون عظمة الله، وهم يسبحون الله بقولهم: سبحان ربي العظيم. ولا يستحضرون علو الله بكل أنواعه، وهم يقولون: سبحان ربي الأعلى. فهؤلاء قصروا؛ حيث لم يتعرضوا، ولم يتكلموا في شيء مما يستحقه الرب تعالى من الصفات، وتجاوزهم آخرون فغلوا، وهم الذين تدخلوا في الأمور الغيبية، وأخذوا يبحثون عن كيفية النزول، وعن كيفية الاستواء، وما أشبه ذلك.
وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم: فيما بين الذين قصروا، والذين غلوا، توسطوا في ذلك، وخير الأمور أوساطها، وأهل السنة وسط بين المشبهة وبين المعطلة.