إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
131684 مشاهدة
من صفات الله تعالى القرب

...............................................................................


من صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه والتي يؤمن بها عباده صفة القرب أنه سبحانه قريب من عباده. دليل ذلك قول الله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ روى بعض الأئمة أن رجالاً قالوا: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ أنزل الله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ .
والفرق بين النداء والمناجاة: المناجاة لا تكون إلا بكلام خفي يكون سرًّا بين اثنين كما قال تعالى: وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا أي: ناجاه ربه كلامًا أسمعه إياه من قرب، وهكذا يعبر بالنجوى عن الكلام الخفي الذي بين اثنين، وأما النداء فيكون للبعيد إذا قلت: ناديته فالمعنى رفعت له الصوت حتى سمعك وأتى، فهذا هكذا قالوا: هل ربنا قريب أم بعيد؟ إذا كان قريبًا فإننا نطلبه، ونسأله بكلام خفي بيننا وبينه؛ لا نجهر بالقول فإنه يعلم الجهر وما يخفى، وإذا كان بعيدًا رفعنا الأصوات فقال الله: فَإِنِّي قَرِيبٌ ذكر أيضًا بعض العلماء في تفسير قول الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فقالوا: إن الله تعالى قال: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ ولم يقل: قريبة مع أن الضمير يعود إلى الرحمة لتضمن قرب الراحم تعالى. أي: إن الله تعالى قريب برحمته قريب ورحمته قريب من المحسنين، فإذا سأل الله العبد رحمته تذكر أنه قريب وأن رحمته قريبة فرغب بعد ذلك في سؤال الله أن يرحمه، وأن يغفر له.
لا شك أن من آمن بأن الله تعالى قريب مجيب أنه يحمله ذلك على أن يراقب الله، يعلم أنه بمرأى ومسمع من الله ويعلم أنه قريب. قريب يرحم عباده أو قريب يعلم أحوالهم، قريب يثيبهم ويعطيهم ما يحتاجون إليه، قريب يعذب من عصاه فلا يعتقد العبد أنه بعيد عن ربه فيبارزه بالمعصية، ويعتقد أنه لا يعلم شيئًا من أمره وأنه ليس بقريب منه.
ذكر المفسرون عند قول الله تعالى: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ فذكر ابن كثير أن ثلاثة من الكفار قليل فقه قلوبهم، كثير شحم بطونهم جلسوا في المسجد الحرام فقال أحدهم: هل تعلمون أن الله يرانا أو يعلم أحوالنا يسمعنا؟ فقال الثاني: يسمعنا إذا جهرنا ولا يسمعنا إذا أسررنا فقال الثالث منكِرًا للسمع: إن كان يسمعنا إذا جهرنا فإنه يسمعنا إذا أسررنا أنزل الله تعالى هذه الآية: وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ المؤمن لا يظن هذا الظن وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ أي: أهلككم فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ فهكذا توعد الله من كان بهذه الحالة وهو الذي يظن أن الله تعالى لا يراه، وأنه لا يطلع على سره ونجواه. أما المؤمن التقي فإنه يستحضر أن ربه سبحانه يراه حيثما كان ويسمع سره ونجواه، ويعلم أحواله، ولا يخفى عليه منه خافية.