إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
131725 مشاهدة
تنزيه الله وتوحيده بأسمائه

...............................................................................


ذُكر أن قوما من المشركين قالوا: يا محمد انسب لنا ربك. يعني: أخبرنا بنسبه. أنزل الله تعالى هذه السورة، وفيها لم يلد ولم يولد. كأنهم يقيسون الخالق تعالى على آلهتهم التي كانت متولدة من مثلها يعني الأولياء والصالحين والأنبياء والشهداء ونحوهم الذين يعبدون من دون الله، ينسبون به قالوا: الولي هو فلان وفلان وفلان هذا. رد عليهم أنه تعالى هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
وكذلك أيضا روي أن بعض اليهود قالوا: يا محمد أخبرنا عن ربك. قد علمنا أن الإنسان خلق من طين، وأن السماوات خلقت من بخار البحر مثلا أو غباره، وأن الأرض خلقت من البحر أو من رواسبه، ونحو ذلك، فأخبرنا عن ربك، وهذا سؤال تعنت. كأنهم يقولون: من أي شيء هو؟ ولا شك أن هذا تدخل في علم الغيب الذي لا يجوز التدخل فيه، وكذلك أيضا فيه أنهم يسألون عن الشيء الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيخلق مثل هؤلاء، فقال: صلى الله عليه وسلم لا يزال الناس يتساءلون من خلق كذا؟ ومن خلق كذا؟ حتى يقولوا: الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله آمنت بالله، وفي رواية فليستعذ بالله ولينته أي: يعتقد أن الرب سبحانه وتعالى قديم وأنه لم يسبق بعدم، ولو كان مسبوقا بعدم للزم أن يكون الذي خلقه له خالق وهلم جرا، فيلزم التسلسل في الماضي، فإذا أثبت العباد هذا القول أن الخالق هو الخالق وما سواه مخلوقون فإن هذا يقطع وسوسة كل موسوس، ويثبت القول بأن الرب تعالى هو القديم بأسمائه وبصفاته، ولا يجوز التمادي في مثل هذه الوساوس، وكثرة الحديث بها.
وقد تقدم الآثار التي فيها: تفكروا في المخلوق، ولا تفكروا في الخالق؛ ولعل ذلك لأجل الاعتقاد بأن الخلق الذين يشاهدون يعرف بأن الذي خلقهم هو المستحق للعبادة حيث أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى وحيث كمل لهم ما يحتاجون، فخلق الإنسان خلق تمام، كما في قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ إذا تأملت في خلق الإنسان وجدته أحسن خلق بحيث إنه لا يحتاج إلى زيادة عضو، ولو نقص منه عضو لتأثر بحيث أن كل عضو له وظيفته الأعضاء الظاهرة والأعضاء الباطنة والمفاصل والعظام وما أشبهها، فهو دليل على أن الذي خلقه هو على كل شيء قدير، وأنه لم يكن ليخلق نفسه.