الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
81794 مشاهدة
غربة الإسلام بدءا ومنتهى

...............................................................................


فإذا عرفت هذه الحقيقة.. تبين لك أن كثيرا من الناس عن هذا بمعزل -يعني- عن حقيقة هذا التوحيد، وهذا الإخلاص، أنهم بمعزل عن إخلاص العبادة لله وحده، كثير من الناس؛ ويعني بذلك: الكثير في زمانه؛ فإنه خرج في زمان تحققت فيه غربة الإسلام ؛ ولهذا استدل بهذا الحديث يقول: يتبين لك معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهذا الحديث في صحيح مسلم في آخر الكتاب، أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الإسلام بدأ غريبا؛ يعني: أول ما دعا ما كان يدخل في الإسلام إلا أفراد قلة، وإذا دخل في الإسلام فإنه يتستر، يخشى أن الناس يؤذونه؛ لأن من أسلم منهم يعذب، يلاقي عذابا شديدا، والذين يسلمون غالبهم من الضعفاء من الموالي كعمار بن ياسر وأبيه وأمه سمية و صهيب و بلال وأشباههم من المستضعفين، أوذوا في ذات الله -تعالى-.
في حديث عن خباب -رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! ألا ترى ما يصيبنا؟! فجلس، وقال: قد كان من كان قبلكم يمشط بأمشاط الحديد ما بين عظمه واللحم ولا يصده ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه حتى يشق نصفين ولا يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر ولكنكم تستعجلون أخبر في هذا بأنكم ما نالكم إلا القليل الذي نال قبلكم أو عذب به المؤمنون ممن قبلكم؛ ولكن مع ذلك -بلا شك- نالهم عذاب، فكان –مثلا- بلال لما كان مملوكا لأمية بن خلف كان أمية بن خلف يوثقه برباط، ثم يلقيه في الشمس في نحو الظهيرة، ويقول: لا أُطْلقك حتى تكفر بمحمد ولم يزل كذلك إلى أن اشتراه أبو بكر -رضي الله عنه- وأعتقه. فهذا -بلا شك- دليل على تحملهم، فهذا دليل على غربة الإسلام، أن أوله غريب، ثم لما هدى الله -تعالى- الأنصار في المدينة وأسلموا وبايعوا، وهاجر إليهم المهاجرون من أهل مكة الذين قد آمنوا من أهل مكة والتجئوا إليهم كانوا -أيضا- غرباء؛ يعني: أنهم قلة بالنسبة إلى غيرهم، فالبلدان حولهم مخالفون لهم، وكذلك البوادي الذين في الجزيرة كلهم مخالفون لهم، فيكون الإسلام غريبا؛ بمعنى: أنه في أهله غربة، الغربة: هي القلة. الغريب: هو المستغرَب بين الناس الذي لا يعرفه أحد، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ؛ يعني: كأنك لست من أهل البلد، إذا جاء إنسان مسافر في بلدة لا يعرفها ولا يعرفه أحد من أهلها سمي غريبا، غالبا أنه لا يؤويه أحد، فيكون يبيت في المسجد ونحوه، فيكون المسجد دار الغرباء.
فيقول: إن الإسلام بدأ في أهله مستغرَب -يعني- كالغريب الذي في بلد ليست بلده. ثم أخبر بأنه يعود غريبا كما بدأ -أي- تعود غربته، وقد تحققت الغربة في كثير من الأزمنة؛ وبالأخص في هذا الزمان، غربة الدين، اشتدت غربة الدين في هذا الزمان، وكذلك قبله بعدة قرون. فمنذ القرن العاشر والإسلام في غربة، يعني: التوحيد الذي هو دين الله الصحيح الذي ارتضاه دينا، أهله الذين يحققونه غرباء، قليلون، من علامة غربتهم: أن الآخرين يحتقرونهم، أو يكفرونهم، أو يضللونهم.