إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
77303 مشاهدة
أمثلة للمشاقة

...............................................................................


من أمثلة المشاقة : أن يوقع الإنسان أخاه في حرج وفي ضيق فيشق عليه، إذا كان هناك مثلا إنسان له سلطة كرئيس أو أمير أو ولي أو قاض أو مدير على قوم أو نحو ذلك، فإذا شق على بعضهم إذا أبغض بعضهم فكلفه ما لا يطيق، فإن ذلك من المشاقة بأن كلفه الحضور في وقت يصعب عليه أو كلفه الدوام في أوقات فيها مشقة، أو كذلك عاقبه بأن نقله إلى موضع بعيد كتنكيل له وتعذيب له اعتبر هذا من المشاقة.
وكذلك أيضا إذا آذاه بنوع من أنواع الأذى؛ كأن خذله أو وبخه وحقره عند غيره عند زملائه وخلطائه؛ اعتبر ذلك من المشقة شق على أخيه المسلم.
ويدخل في ذلك أيضا ما يقع بين الجيران، فالجار عليه أن يحسن إلى جاره، فإذا أوصل إليه شيئا من الأذى ألقى في طريقه شوكا أو قذرا أو قمامات وأوساخا أو روائح منتنة عند بابه، وكذلك أيضا رفع الصوت عنده كصوت غناء أو طرب أقلق راحة جاره، وكذلك أيضا إذا آذاه بروائح منتنة كروائح الدخان والنارجيل، وما أشبه ذلك بحيث يتأذى ذلك الجار يعتبر ذلك من المشقة من شاق شق الله عليه وهكذا أيضا إذا شق على صديق له أو زميل له أو رفيق له في طريق أو نحو ذلك، فلو مثلا أنه واصل به السير حتى يشق عليه أو منعه من النوم؛ ونحو ذلك فإنه يعتبر قد شق على أخيه المسلم.
وهكذا أيضا الذين يعذبون الناس عذابا شديدا؛ كالذين يعلقون بعض الأسرى ونحوهم، إذا أسروا أسرى من المسلمين ونحوهم يعلقونهم بأيديهم أو بأرجلهم، وهكذا أيضا يضربونهم ضربا شديدا حتى ليتمنوا الموت لشدة ما يلاقونه، وكذلك أيضا يدخل فيه إذا منعوهم من النوم بأن يمنعوهم؛ كلما هجع أحدهم ضربوه حتى لا ينام وربما يبقى خمسة أيام أو عشرين يوما وهو لم يهنأ بالنوم، يريدون بذلك أن يضروه، مع أنه أسير عندهم ليس له قدرة على التخلص منهم، لا شك أن هذا يعتبر من المشقة على المسلم.
وكذلك أيضا يفعل بعضهم ما يضر بالمسلمين من منعهم من الطعام، ومنعهم من الشراب حتى يتألموا من شدة الجوع، ربما أنه يمضي عليه عدة أيام ولا يطعم إلا كسرة رغيف في كل يوم أو في كل يومين أو في كل ثلاثة أيام وما أشبه ذلك، لا شك أن هذا كله من المشقة على المسلمين.
كل من شاق على مسلم بأي نوع فإن الله تعالى سوف يسلط عليه من ينتقم منه، وإن ستر عليه في الدنيا ومتعه بمتاع الدنيا؛ فلا يأمن أن ينتقم الله منه، وأن يعاقبه في الآخرة العذاب الشديد.