قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
77327 مشاهدة
معنى العجز

...............................................................................


فهكذا يقول: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز العجز يراد به الكسل والتثاقل في الأمور؛ يعني إظهار الخمول وإظهار التعاجز وإظهار الكسل؛ فإن هذا من أسباب الحرمان سواء كان ذلك العجز عجزًا حسيا أو عجزا معنويا. فالعجز الحسي هو أن يعطيه الله تعالى نشاطا وقوة ومناعة وجسما قويا، ولكن لا يكون معه همة في الاكتساب ولا في استعمال هذه القوة، فلا يتكسب ولا يحترف ولا يحرث ولا يغرس ولا يتجر ولا يتعاطى صنعة، بل وكذلك أيضا يحمله هذا العجز على أن يتعاجز حتى عن الطاعة، فلا يصوم ولا يصلي ولا يتهجد في الليل ولا يقرأ ولا يذكر، كل ذلك من باب الكسل ومن باب التثاقل، ثم هذا لا شك أنه من الحرمان المحروم هو الذي يحرمه الله تعالى من قوته. كذلك أيضا يدخل في العجز العجز المعنوي، وهو التعاجز عن إظهار الحق، وإظهار دين الله وعن الغيرة على حرمات الله، العجز عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، العجز عن الدعوة إلى الله، إذا أمر بأن يأمر وأن ينهى أظهر العجز، وقال: إنه ليس معي قدرة، وليس معي قوة وليس معي شجاعة على أن أتكلم، ولا على أن أفصح بكذا وكذا، لا شك أن هذا كله من الحرمان. فالحاصل أن هذا الحديث فيه الحث على القوة المعنوية؛ التي هي الغيرة على حدود الله تعالى وعلى حرماته.