اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
22889 مشاهدة print word pdf
line-top
هدي السلف في قراءة القرآن

وكذلك أيضا هديهم في رمضان أنهم يكثرون قراءة القرآن الذي له خصوصية برمضان، رمضان له خصوصية بالقرآن لقول الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فإذا كان له خصوصية فإن علينا أن نوليه اهتمامنا، لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتيه جبريل في ليالي رمضان فيدارسه القرآن -أي: يعرضه عليه- وكل سنة يعرضه عليه مرة، وفي السنة التي مات فيها صلى الله عليه وسلم عرض عليه القرآن مرتين، وكان يدارسه ليلا، أخذوا من ذلك أهمية دراسة القرآن.
وكان السلف -رحمهم الله- يهتمون في رمضان بالقرآن؛ فكانوا إذا دخل رمضان تركوا الحديث وأقبلوا على قراءة القرآن.
ذُكر ذلك عن الإمام مالك -رحمه- الله أنه كان يفر من التحديث ومن مجالس الحديث ويقبل على قراءة القرآن. وكذلك الإمام الشافعي رحمه الله، وكذلك غيرهم من الأئمة، حتى يجتهدوا في قراءة القرآن أكثر مما يجتهدون في غير رمضان.
ذكر ابن رجب -رحمه- الله أن للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، أو زيادة على ما يقرأ في الصلاة، فمعنى ذلك: أنه يختم في الليل مرة وفي النهار مرة، في كل ليلة يختم، وفي كل نهار يختم، حتى يختم الستين ختمة، قال: وروي عن أبي حنيفة مثل ذلك.
وكان كثير منهم يختمون القرآن في كل ثلاث ليال، فإذا دخل رمضان ختموه في العشرين الأولي في كل يومين، فإذا كان في العشر الأواخر ختموه في كل يوم مرة، ولكن لا تعجب من ذلك؛ فإن الله تعالى قد سهل القرآن على ألسنتهم، أشرب القرآن في قلوبهم، أشربت قلوبهم محبة القرآن وذلت به، فكانوا يقرءونه ولا يتلعثم أحدهم في قراءته، ولا يخطئ في حرف منه، ويلهمونه كما يلهمون النفس، قد حفظوه واستظهروا كلماته، ولا يصعب عليهم أن يقرءوه في ليلة أو في نهار.
وقد فعل ذلك الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فإنه طوال السنة يختم في كل ليلة، كل ليلة يختم طوال السنة بركعة واحدة في صلاة قيام الليل، في صلاة تهجده لا يصلي إلا ركعة واحدة؛ ولكنه يختم فيها القرآن، يقول بعض تلامذته: إنني راقبته قائما، فلاحظت أنه يقرأ قراءة طويلة ثم يسجد، ثم يقوم فيقرأ قراءة طويلة ثم يسجد، فعرفت أن هذه سجدات التلاوة، أنه إنما ينزل في الأرض لسجود التلاوة وحتى يختم القرآن.
وقد ختم القرآن في ركعة عدد كثير من السلف رحمهم الله؛ يعني أنه يستفتح بأول الليل ويختم بآخر الليل في ركعة واحدة.
هذا حالتهم في اهتمامهم بكلام الله سبحانه وتعالى، زيادة على أنهم يتدبرونه ويتعقلونه، لا يقرءونه هَزًّا من غير أن يعقلوا معناه، قد عرفوا أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يرتل القرآن وكان يمده، كما ذكرت عائشة أنه كانت قراءته مدا.
وكذلك روى ذلك أنس -رضي الله عنه- تقول عائشة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها.
وسئل أنس عن قراءته -صلى الله عليه وسلم- فقال: كانت مدا. ثم قرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ومد ببسم الله، وأمد بالرحمن، وأمد بالرحيم، كل ذلك دليل على أنهم مع ذلك يسهل عليهم قراءة القرآن، وكثرة الأعمال الصالحة، ولا تردهم القراءة عن الصلوات ولا عن التطوعات وما أشبهها، وهكذا كان هديهم رحمهم الله تعالى في محبتهم لكلام الله عز وجل.

line-bottom