لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
14272 مشاهدة
ما ينبغي أن يُستقبل به شهر رمضان

ولما كان رمضان بهذه المثابة حرص الناس على أن يستقبلوه برغبة صادقة، وبمحبة ثابتة؛ ولذلك ورد فيه أحاديث كثيرة في فضله، لا بد أنها تقرأ عليكم في وظائف رمضان كل سنة، وظائفه يعني: فضائله التي وردت في فضله؛ وحيث إن موضوعنا: استقبال شهر رمضان، فإنا نتكلم حول ما ينبغي أن يستقبل به شهر رمضان، وكذلك حال كثير من الناس في استقبالهم لشهر رمضان، والفرق بين الحالتين، أو بين الحالات، فأقول:
أولا: إن شهر رمضان يعتبر موسما، فهو موسم للعبادات عند الأتقياء والأبرار، وموسم لقراءة القرآن عند القراء ومحبي القرآن، وموسم للتجارات الأخروية، التي هي: الحسنات، ورفع الدرجات عند أهل التقى وأهل الإيمان، كما أنه عند آخرين موسم لأمور الدنيا، وعند آخرين أيضا موسم للشهوات، وموسم للملاهي، ونحوها، فالذين جعلوه موسما للطاعات يستقبلونه برغبة صادقة، وبمحبة.
ونذكر لذلك أمثلة في استقبال شهر رمضان، فيشاهد أن كثيرا من أهل المساجد إذا أقبل شهر رمضان اعتنوا بتنوير مساجدهم، واعتنوا بتطييبها، وبفرشها، وربما أيضا توسعتها، وفرش الملحقات التي حولها؛ لأنهم يشاهدون أن شهر رمضان يتضاعف فيه عدد المصلين، يزيد فيه العدد في كثير من الصلوات، بالأخص في صلاة المغرب، وفي صلاة الصبح، وكذلك أيضا في كثير من المساجد تمتلئ المساجد في صلاة التراويح، لا شك أن هذا ونحوه استقبال حسن، الذين إذا أقبل شهر رمضان قالوا: لا بد أن نهيئ له مكانا لائقا، فبدل ما كان المسجد قليل الضوء، وقليل الأنوار، يجددون أنواره، ويعتنون به، وكذلك أيضا ينظفونه، وكذلك يزيدون في فسحه في فسحاته وما حوله، وملحقاته، وتوسعاته، استعدادا لأن رمضان موسم للصلوات، فهؤلاء يستقبلونه استقبالا حسنا.
هذا بالنسبة إلى المجموع إلى الجماعات، كذلك أيضا آخرون يستقبلونه بإعداد المصاحف، يعرفون أن شهر رمضان شهر القرآن الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فيعد كل منهم لنفسه مصحفا يحرص على أن يكون مناسبا له؛ ليقرأ فيه ما يقرأ، وليعد له، أو يهيئ له المكان الذي يقرأ فيه، وكذلك أيضا القراءات المجموعة، الذين يقرءون جماعات، يستعدون أيضا، فقد كانوا إلى حد قريب إلى قبل ثمان سنين، أو عشر سنين إذا أقبل رمضان القراء ينتبهون، وينبه بعضهم بعضا، ويستعدون لاجتماع في المساجد، أو في البيوت يقرءون القرآن، فيقولون: يا فلان، هل أنت مستعد أن تحضر الحلقة الفلانية؟ فإننا سنقيم حلقة نقرأ فيها القرآن، ونرتله، ونتدارسه فيما بيننا، وكذلك أيضا، هل أنت مستعد أن تحضر معنا في بيت فلان؛ لنقرأ ما تيسر؟ فيقرءون في كل ليلة ثلاثة أجزاء، قد يستمرون ساعتين، أو ساعة ونصفا، يقرءون فيها هذه الثلاثة الأجزاء.
لا شك أن هؤلاء هم من يستقبلون شهر رمضان عند إقباله بمحبة كلام الله تعالى... ولقد كان هؤلاء موجودون في القرى، وفي المدن، ولكن في الأزمنة القديمة القريبة قبل منذ عشر سنين لم أسمع بمن يحيي هذه السُّنة، ودليلهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدارسه جبريل القرآن ليلا، كما ذكر ذلك ابن رجب أن المدارسة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين جبريل كانت ليلا، وأن الصحابة أيضا كانوا يهتمون بقراءة القرآن في شهر رمضان.
فعلينا أن نحيي هذه السنة، يجتمع مثلا في المسجد، في هذا المسجد مثلا، أو في بيت أحدنا عشرة، أو خمسة عشر نتدارس القرآن، يقرأ هذا ثُمنا ثُمن الجزء، ثم يقرأ الثاني الثُمن الذي يليه، والباقون يستمعون، ثم يقرأ الثالث، وهكذا حتى تتم الحلقة، أو حتى يكملوا ثلاثة الأجزاء، ينصرفون بعد ذلك إلى بيوتهم، فهؤلاء يستقبلون رمضان باستقبال صحيح.
وكذلك أيضا الذين يستقبلونه بالاستعداد للعبادة؛ وذلك لأن العبادة تضاعف في هذا الشهر، ففي حديث سلمان المشهور: من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فيه فريضة، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه فيستعد آخرون للأعمال الصالحة فيه، فيستعدون للذكر، ويستعدون لإحياء الليل، أو ما تيسر منه، ويستعدون لنوافل النهار، النوافل: التطوعات في النهار، كل هؤلاء يثابون على ذلك؛ حيث إن هذا الشهر موسم لمثل هذه الأعمال، ولو كان الإنسان يجب أن يكون عمله دائما في بقية عمره؛ ولكن مواسم الخيرات لها أهميتها ولها ميزتها، فيجب أن يعتنى بها، وأن تلقى من العباد عناية، وجدا، وجهدا.
فيتفرغ أحدنا في كل يوم مثلا في الصباح إما لقراءة القرآن، وإما للأذكار، والأوراد، والتسبيح، يستعد لذلك، ويبطل ما كان اعتاده، إذا كان قد اعتاد السهر طوال الليل والنوم في الصبيحة، يحرص على أن يبطل هذه العادة، وأن يبدأ يجعل بدل السهر على اللهو سهرًا على القرآن، وأن يجعل بدل نوم الصبيحة يجعل بدله قراءة، وذكرا، وأورادا، وأدعية؛ حتى تطلع الشمس؛ وحتى يصلي ما تيسر له بعد طلوع الشمس، وخروج وقت النهي، فيكون بذلك قد ربح في هذا الشهر، يعني: جعله شهر ربح، ومغفرة.
كذلك أيضا آخرون يستقبلونه بالاستعداد للصدقات، ونحوها، يعرفون مثلا أن الصدقات تضاعف فيه؛ وذلك لفضل الزمان، فيتصدقون فيه، وليس فقط الزكاة، فإن الزكاة واجبة، وأمانة على كل مسلم، وعليه أن يخرجها متى وجبت؛ ولكن زيادة على ذلك أن يتصدق فيه بصدقات التطوع، وبصدقات التنفلات، فإذا أقبل رمضان حرصت على أن تهيئ جزءا من مالك، تجعله صدقة، تعرف أنه ورد في الحديث أن: من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتقا لرقبته من النار، وكان له مثل أجر ذلك الصائم، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء فيستقبله كثيرون بأن يستعدوا، ويعزلوا جزءا من أموالهم، ويقولون: هذا لتفطير الصوام، وهذا لإعانة المستضعفين، وهذا للتوسعة على الفقراء والمساكين، وما أشبه ذلك، إذا أقبل رمضان أعدوا حسابا ونظروا فيما لديهم من الأموال التي يحبون أن يعزلوها، أو يتصدقوا بها، هؤلاء أيضا يستقبلونه استقبالا حسنا.
وكذلك أيضا الذين يستقبلونه بالاستعداد للصيام؛ لكن الصيام واجب، معلوم أنه مكلف به كل مسلم، فليس الاستعداد للصيام من خواص أو ما يستقبل به، بل المسلم معد نفسه لأن يؤدي هذه الفريضة، ويقوم بها حق القيام؛ ولكن الذين يستقبلون رمضان بالاستعداد للصيام يستعدون لصيام كامل، وهو: أن يحفظوا صيامهم، أن يقولوا: إذا كنا ملزمين بالصيام فإن علينا أن نكمله، فنحرص على أن نصوم صوما صحيحا، نحرص على أن يكون صيامنا صياما لله تعالى، نحفظه مما يفسده، أو مما يخله، فيقطعون علاقاتهم ومجالسهم الباطلة التي كانوا يجلسون فيها طوال الليل، أو أكثر الليل، أو أكثر النهار؛ لأن تلك المجالس وتلك العلاقات قد يكون فيها لغو ورفث، وقد يكون فيها قيل وقال، فيقطعونهم، ويتأهبون لأن يكون صيامهم صياما صحيحا، هؤلاء أيضا يستقبلون شهر رمضان استقبالا حسنا ، أي: يستقبلونه بالاستعداد لحفظ الصيام.
كذلك أيضا الذين يستقبلونه بالمحافظة على الصلاة، المحافظة على الفرائض واجبة في كل العمر على الصلوات المكتوبة؛ ولكن لرمضان أيضا خصوصية وميزة؛ فلذلك نقول: إن الذين إذا أقبل رمضان استعدوا للمحافظة على الصلوات، واستعدوا للتقدم إلى المساجد، واستعدوا للمواظبة على نوافل الصلوات التي قبلها، والتي بعدها، ورواتبها، وما أشبه ذلك، لا شك أن مثل هؤلاء لهم الأجر؛ حيث إنهم استعدوا لذلك أتم استعداد؛ ولكن الاستعداد للصلوات المكتوبة والمحافظة عليها وظيفة المسلم طوال حياته، فالتأهب للزيادة على ذلك يعتبر من استقبال رمضان استقبالا حسنا، فهؤلاء الذين ينبغي أن يمدحوا على هذا الاستقبال.