الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
14280 مشاهدة
هدي السلف في الصيام

أما هديهم في الصيام فهو أكمل هدي، وذلك لأن الصيام شُرِع لأجل ترويض النفس على ترك المعاصي، إذا صام الإنسان ترك المباحات من المآكل والمشارب ونحوها، فإذا عود نفسه ترك هذه المباحات التي تندفع إليها النفس علم بأن ترك المحرمات أولى بالاهتمام.
فكان السلف -رحمهم الله- إذا صاموا ولو تطوعا جلسوا في بيوتهم، لماذا؟ يقولون: نخشى أن يتلوث الصيام، نحب أن نحفظ صيامنا، نحفظه عما يفسده أو عما ينقص أجره، يجلسون في بيوتهم يحفظون صيامهم، في هذا حرصهم على الصيام ألا يخدشه ولا يبطله شيء، سمعوا الأدلة التي فيها أن الصيام ينقصه ويخرقه اللغو والرفث، في مثل قوله: ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث ومثل قوله -صلى الله عليه وسلم- من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه قول الزور يعني: الكلام الكاذب والسيئ، والعمل به يعني: العمل بالزور، والجهل يعني: الكلام الذي لا يصدر إلا عن جاهل.
وكذلك ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الصيام جنة أحدكم من المعاصي كجنته من القتال، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يفسق، فإن أحد سابه فليقل: إني امرؤ صائم يذكره بأن الصيام يمنعه عن مثل هذا الصخب واللغو والرفث وما أشبه ذلك، فكانوا يحفظون صيامهم، ولا يضيع عليهم وقتهم في قيل وقال، وفي لهو وسهو وما أشبه ذلك.