لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
14291 مشاهدة
السلف والاجتهاد في قيام الليل

ثانيا: حالتهم في القيام وهو أنهم يجتهدون في قيام رمضان، لا يفوت أحدهم؛ لا يفوته ليلة من الليالي، إذا فاتته ليلة عد نفسه مصابا، فهم يحافظون على هذه التراويح، يصلونها جماعة أو يصلونها فرادى، وكذلك من حالتهم أنهم يقطعون نصف الليل أو ثلث الليل أو ثلثيه كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ أي: قريبا من ثلثي الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ أي: أحيانا تقوم نصف الليل، وأحيانا تقوم ثلث الليل، يعني: أن هذا كانت عادته، فتارة يقوم ثلثي الليل أي: قريبا منه، الليل في هذا الزمان اثني عشر ساعة أو اثني عشرة إلا ربعا، أي: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، معنى ذلك: أنه إذا قام ثلثي الليل كان قيامه ثمان ساعات، وإذا قام نصف الليل كان قيامه ست ساعات، وإذا قام ثلث الليل كان قيامه يستغرق أربع ساعات، فهكذا كان قيامه، ثم يقتدي به أيضا من معه، يقول الله تعالى: وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ أي: وجملة كبيرة من الذين معك، أي: على ما أنت عليه من الصحابة، وهكذا أيضا من بعدهم.
ابن عمر -رضي الله عنه- ذكر نافع عنه أنه كان لا ينام من الليل إلا قليلا، يعني: لا ينام إلا جزءا يسيرا من الليل، وبقية الليل يتهجد فيه، إلا أنه في آخر الليل يشتغل بالاستغفار عملا بقول الله تعالى: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فكان يسأل نافعا هل أسحرنا؟ أي: هل جاء وقت السحر؟ فإذا قال: نعم. أوتر ثم جلس يستغفر، وحالتهم في هذا الاستغفار تدل على عدم افتخارهم بأعمالهم، تدل على قوة خوفهم من الله تعالى ولو عملوا ما عملوا.
يقول بعض المفسرين في معنى هذه الآية، يقوله ابن رجب وغيره: باتوا طوال ليلهم يصلون، ثم جلسوا في آخر الليل يستغفرون كأنهم مذنبون، كأنهم باتوا على ذنوب يقترفونها، واستغفارهم هذا استغفار من تقصيرهم وإن كانوا قد اجتهدوا وجدوا في العمل، فكأن أحدهم يعترف على نفسه بأنه قد نقص من العمل، أو أنه قد سها أو غفل، أو نحو ذلك، وأنشد ابن رجب قول بعضهم:
أستغفــر اللــه مـن صيامــي
طــول زمانـي ومـن صلاتــي
صـــوم يُــرى كلــه خـروق
وصـــلاة أيـمـــا صـــلاة
أي: أنها ناقصة في نظره، فكأنه يقول: أستغفر الله من هذا العمل الذي عملته ولم أوفيه حقه، مع أنهم قاموا بقدر ما يستطيعون، مدحهم الله تعالى بأنهم عمروا الليل كله وهم يتهجدون يعني: يصلون، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ إذا اضطجع أحدهم قليلا انتبه وقام يصلي.
وذكروا أيضا أن كثيرا منهم لا ينامون إلا قليلا، صحب بعض السلف أحد العباد فلم يره نائما، فسأله: لماذا لم أرك نائما؟ ما رأيتك نائما؟ فقال: إن عجائب القرآن أطرن نومي، ما أخرج من أعجوبة إلا وقعت في أخرى.
عجائب القرآن يعني: ما فيه من العبر، كلما جاءت آية فيها عبرة أخذ يتفكر فيها، فيطير عنه النوم، فيبيت يصلي أو يتلو ويتدبر القرآن، هذه حالتهم، يصدق عليهم قول الشاعر كما أنشده ابن رجب
منـع القــران بوعـده ووعيـده
نقــل العلـوم بليلهـا لا تهجـع
فهمـوا عن الملك العظـيم كلامـه
فهمـا تذل لـه الرقاب وتخضـع