الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
14290 مشاهدة
التهنئة بقدوم رمضان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
أيها الأحبة في الله: في هذا اليوم الطيب المبارك نعيش فرحتين: الأولى: بمقدم شهر رمضان، وفقنا الله، وبلغنا إياه، والفرحة الثانية: بحضور فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين عضو الإفتاء بالرئاسة العامة لدار .. والأستاذ بالمعهد العالي للقضاء، والشيخ -جزاه الله خيرا- يعني: رغم كثرة أعماله اقتطع جزءا مهما من وقته؛ للقاء بكم والإجابة على استفساراتكم وأسئلتكم. نسأل الله عز وجل أن يثيبه، وأن يحسب خطاه، ونرجو منكم أن تكونوا آذانا صاغية وواعية. نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والآن نترككم مع فضيلة الشيخ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإني فرح مسرور بهذه الدعوة، والتي تدل أو تنم عن محبة للخير، ومحبة للتفقه في الدين، ومحبة للإفادة والاستفادة -إن شاء الله- وأعتذر بأني محل النقص، ومحل السهو والغفلة، ولكن من باب المساهمة فاقبلوا ما كان صوابا، ونبهوني على ما كان خطأ، أو فيه نقص وتقصير.
فأولا: أهنئكم ونفسي بإقبال شهر رمضان؛ الذي كان السلف -رحمهم الله- يهنئ بعضهم بعضا بقدومه؛ بل روي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يبشر أصحابه بقدومه، فخطبهم مرة كما في الحديث الذي رواه سلمان في آخر يوم من شعبان؛ يعني: في اليوم التاسع والعشرين من شعبان، أو في اليوم الثلاثين منه، وأخبرهم بقوله: إنه قد أظلكم شهر عظيم مبارك؛ شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا؛ شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فيه فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتقا لرقبته من النار. قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم. قال: يعطي الله هذا الأجر لمن فطر صائما على مذقة لبن، أو شربة ماء، أو تمرة، ومن أشبع فيه صائما -أو من سقى فيه صائما- سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة؛ فاستكثروا فيه من أربع خصال؛ خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فلا إله إلا الله والاستغفار، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألونه الجنة، وتستعيذون به من النار ؛ هكذا روي في هذا الحديث بهذا المعنى.
وروي أيضا أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يفرح بقدوم رمضان، فكان إذا دخل رجب يقول: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان .
وهكذا أيضا كان السلف -رحمهم الله- يفرحون بذلك، ويتهانون به، ويدعون الله به، فكانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، فتكون سنتهم كلها اهتماما برمضان؛ وذلك لأن له ميزات وخصائص، فنذكر بعضا منها على وجه الاختصار؛ حتى لا نطيل معكم: