جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شرح مختصر زاد المعاد
33149 مشاهدة
حكم المضمضة والاستنشاق

...............................................................................


جاءت السنة بتفصيل ما أجمل في القرآن، فالله تعالى ذكر غسل الوجه، والوجه ما تحصل به المواجهة، ما تحصل به المقابلة، فيدخل في ذلك ما تحت منابت الشعر المعتاد، ويدخل في ذلك العارضان والذقن، كل ذلك داخل في مسمى الوجه، فهذا دليل على أنه لا بد من غسل ما تحصل به المواجهة.
ثم أدخل في ذلك المضمضة والاستنشاق لأنهما في حكم الظاهر، المنخران يحتاجان إلى تنظيف لما يتحلل من الرأس من هذه المخاط ونحوه فيحتاج إلى تنظيفه، فكان غسلهما لأجل النظافة، وكذلك أيضًا الاستنشاق لأجل تطهير ما هو في حكم الظاهر، الفم معروف أيضًا أنه يجتمع فيه اللعاب وقد يخرج منه النخام ونحوه ويكون في الفم بعد الأكل شيء من آثار الأكل بين الأسنان ونحوه فلذلك شرع تنظيفه بعد الأكل وتنظيفه عند الوضوء، فجاءت السنة باستعمال الوضوء، وباستعمال المضمضة والاستنشاق في غسل الوجه.
دلت الأحاديث على أن الفم والأنف تابعان للوجه لا يجوز الإخلال بهما، وما ذاك إلا لكثرة الأدلة التي تدل على ذلك، ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك المضمضة والاستنشاق مرة، بل كلما توضأ استنشق وتمضمض، وهذا هو القول الصحيح.
ذهب بعض العلماء كالشافعية إلى أنهما مستحبان غير واجبين، قالوا لأن الوجه هو ما تحصل به المواجهة والفم تخفيه الشفتان والمنخران يخفيهما الأنف فلا يكون ذلك بارزًا.
فنقول: جاءت السنة بالبيان فليس لأحد أن يعدل عنها، فقد ورد ما يدل على الأمر بالمضمضة والاستنشاق، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأت فمضمض والمضمضة تحريك الماء في الفم، ورد أيضًا أنه قال: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا فهذا أمر، والأمر للوجوب ما لم يصرف عنه صارف، فالمضمضة والاستنشاق من تمام غسل الوجه، هذا هو القول الصحيح.
ثم ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمضمض أحيانًا بثلاث غرفات، يغرف الغرفة فيجعل بعضها في فمه وبعضها في أنفه، وأحيانًا يتمضمض ثلاثًا بثلاث غرفات ويستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات، وأحيانًا يقتصر على مضمضة واستنشاق مرة واحدة، وأحيانًا مرتين، وكل ذلك جائز لحصول المقصود وهو تحريك الماء في الفم لتنظيفه.
وكذلك إدخال الماء واجتذابه في الأنف لتنظيفه، كان يغترف الماء بيده اليمنى فيستنشقه؛ يعني يجتذبه بنفسه لخياشيمه، ثم بعد ذلك ينتثر بيده اليسرى؛ يخرج ذلك الماء بنفسه ثم يمسحه بيده اليسرى، وكذلك أيضًا يحرك أسنانه بيده اليسرى، ويجوز باليمنى، وبكل حال فإن هذا مما جاءت به السنة.