إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
78861 مشاهدة
لعن الله من ذبح لغير الله

الآية الأولى: قوله تعالى في سورة الأنعام يقول: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ النسك: هو الذبح.قال الله تعالى في سورة البقرة: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ وإن كان أصل النسك هو العبادة؛ ولكنه أُطلق في الآية على أنه الذبح، جمع الله في هذه الآية بين الصلاة وبين الذبح، وأنها لله. إن صلاتي كلها لا أصرفها لغير الله، لا أصلي لغير الله، ونسكي يعني ذبحي لا أذبح لغير الله.لماذا جمع بينهما؟ لأن الصلاة أشرف وأفضل العبادات البدنية، والنسك هو أشرف وأفضل العبادات المالية؛ فلذلك جمع بينهما، وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي أي: ما أحيا عليه، وما أموت عليه، ما آتيه في حياتي، وما آتيه بعد مماتي، أو ما أموت عليه، كل ذلك لله لا أصرف منه شيئا لغيره، فهذا دليل على وجوب أن يكون الذبح لله، كما أنه لا يجوز أن يصلي لغير الله فلا يجوز أن يذبح لغير الله.
الآية الثانية: قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ جمع أيضا بين الصلاة وبين النحر، أي: انحر لربك أي: اجعل نحرك بما تنحره من البهائم اجعله لله تعالى، كما أنك لا تصلي لغيره فلا تنحر لغيره، فهذا دليل على أن الذبح لغير الله مثل الصلاة لغير الله، لا شك أن من صلى لغير الله فقد أشرك، هكذا من ذبح لغيره.
الحديث الأول: يقول علي -رضي الله عنه- حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربع كلمات، أتى بلفظ التحديث؛ ليدل على التأكد، أنه تأكد من أنه سمع ذلك من النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه حدثه منه إليه، ويراد بالكلمات الجمل أي: أربع جمل في هذا الحديث:
الجملة الأولى: والتي بدأ بها: لعن الله من ذبح لغير الله اللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله. ولا شك أنه دليل على تحريم الشيء الذي لُعن عليه، فإذا لعن على الذبح لغير الله دل على أنه محرم؛ بل إنه شرك، كما تبين من الأدلة الأخرى، فلا بد أن الذي يذبح لغير الله ويستمر عليه يقع في الشرك، ويستحق اللعن الذي هو الطرد والإبعاد من رحمة الله.
الجمل الأخرى تتعلق بمواضيع أخرى، قوله: لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض ( من لعن والديه ) يعني: شتمهما. أو تسبب في شتمهما؛ استحق اللعن، التسبب يكون كالمباشرة؛ جاء في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه فهذا دليل على أنه إذا باشرهما كان أشد إثما؛ الله تعالى قد عظم حق الوالدين وقرنه بحقه أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ فالذي يسب إنسانا يسب والدي إنسان، ثم ذلك الإنسان يسب والديه يكون متسببا، فيكون هذا من التسبب؛ فيدخل في الوعيد.
وأما قوله: ( من آوى محدثا )، وقرأها بعضهم: مُحْدَثًا. المحدِث: هو المذنب والعاصي، أو المبتدع، والمحدَث: هو الأمر المنكر، والإيواء: هو النصرة. ( من آوى محدثا ). يعني: من نصر المحدث ومكن له، المحدث المبتدع أو العاصي ونحوه، أو الذي ينصر .. يقترف معصية، من نصره وآواه وحماه وأيده ومكن له حتى يظهر بدعته ويظهر محدثه وما أحدثه دخل في الوعيد، فمثلا: إذا دعا إنسان إلى إنشاء مسارح، وملاعب للأشر والبطل وللاختلاط ونحوه؛ فمن أيده دخل في اللعن؛ فكيف بالفاعل؟
وكذلك: لو اقترح إنسان ملعبا يكون فيه غناء، وخمر، وزمر، فمن نصره ومكن له وقال: اتركوه؛ فإن فيه مصلحة، وإن فيه فائدة، وإن فيه مثلا جباية أموال وإيرادات، وما أشبه ذلك، صدق عليه أنه آوى محدثا.
وكذلك لو دعا إنسان إلى السفور فأيده آخرون ونصروه، وقالوا: اتركوه وما يقول؛ فقد آووا محدثا، وكذلك لو دعا إنسان إلى إباحة الزنا؛ فأيده آخر ونصره ومكن له، وقال: اتركوه وما يدعو إليه وما يفعله، دخل في إيواء المحدث، والأمثلة كثيرة.
( منار الأرض ) يعني: علاماتها التي تفصل بين الأملاك. إذا كانت أرض بين اثنين ثم اقتسما هذه الأرض، وجعلوا لها منارا يعني: مراسيم تحجز أرض هذا عن أرض هذا، فجاء إنسان وجاء مثلا أحدهما فقلع هذه المنار، وأدخلها في أرض جاره؛ ليأخذ من أرضه شيئا؛ فقد غير منار الأرض، وقد أخذ ما لا يحل له، قد اقتطع من أرض جاره ما لا يحل له، وغَصْبُ الأرضِ وأخذُها من كبائر الذنوب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- من اقتطع شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين يعني: جعل في طوقه، جعل طوقا له من سبع أرضين، وهذا وعيد شديد.