اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
78805 مشاهدة
بيان أن صوت القارئ القرآنَ وما كُتب به القرآن وما كُتب فيه كل ذلك مخلوق

يحفـظ بـالقلــب وباللســـان
يتلــى كمــا يسمـع بـــالآذان
يحفظ بالقلب، وباللسان يتلى. يعني: نحفظه بقلوبنا، ونتلوه بألسنتنا، ونسمعه بآذاننا. يحفظ في الصدور، ويتلى بالألسنة، ويسمع بالآذان.
كذا بـالأبصــار إليـه ينظـــر
وبالآيـــات خـطــه يسطـــر
ينظر إليه بالأبصار مكتوبا في الصحف، ( وبالأيادي خطه يسطر ) يعني: ويكتب بالأيادي؛ يكتب في الصحف، ويكتب بالمداد.
وكل ذي مخلوقـــة حـقيقـــة
دون كـلام بــارئ الخـليـقـــة
يعني: كلها مخلوقة: القلوب مخلوقة. التي تحفظه، الألسن التي تتلوه أيضا مخلوقة، الأسماع التي تسمعه مخلوقة، الأبصار التي تبصره مخلوقة، الأيدي التي تخطه مخلوقة، الصحف التي يكتب فيها مخلوقة، المداد الذي يكتب به مخلوق، كلها مخلوقة دون كلام الله -تعالى-؛ فإنه ليس بمخلوق. يقول بعد ذلك:
جلت صفــات ربنـا الرحمـــن
عن وصفهـا بالخلـق والحدثـــان
صفات الله -تعالى- من ذاته، فلا يقال: إنها مخلوقة، ( جلت صفات ربنا الرحمن عن وصفها بالخلق) بأنها مخلوقة أو بأنها حادثة؛ بل صفاته من ذاته، ولا يقال: إن شيئا من ذاته مخلوق. ثم يقول:
فالصوت والألحـان صوت القـاري
لكنمـا المتـلـو قــول البــاري
ما قالــه لا يقبــل التبديـــلا
كلا ولا أصــدق مـنــه قـــيلا
يقول هنا: الصوت صوت القاري، والقول قول الباري، الصوت، والألحان، والنبرات، والحركات، التي يحركها الإنسان بلسانه كلها مخلوقة، وكلها صوت الإنسان، فيقال: سمعنا القرآن بصوت القارئ فلان، وأما المتلو الذي يتلوه فإنه كلام الله، قول الباري. الصوت صوت القاري، والقول قول الباري. أي: قول الله -تعالى- ( ما قاله لا يقبل التبديلا ) قال تعالى: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ما قاله وما تكلم به لا يقبل التبديل، لا أحد يبدله. ( كلا ولا أصدق منه قيلا ) قال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا .
البقية نكملها .. بقية هذا الفصل إن شاء الله . اقرأ باب ما جاء في الذبح لغير الله.