الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
82540 مشاهدة
أقسام الناس في الشفاعة

 بعد ذلك ذكر الشفاعة، والناس في الشفاعة ثلاثة أقسام المشركون، والمعتزلة، وأهل السنة.
القسم الأول: المشركون القبوريون, يقولون: إن الأولياء وإن السادة يشفعون لأقاربهم، ولمن دعاهم، ولمن والاهم، ولمن أحبهم، ولأجل ذلك يطلبون منهم الشفاعة، فالمشركون الأولون حكى الله عنهم أنهم قالوا: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ (يونس:18) يعنون: معبوداتهم من الملائكة، ومن الصالحين، ونحوهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، أي: يشفعون لنا ، وكذلك يقول القبوريون المعاصرون الآن؛ يقولون: إن الأولياء يشفعون لنا، وإننا لا نجرؤ أن نطلب من الله، بل نطلب منهم وهم يطلبون من الله، ويقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسائر الأنبياء والصالحين أعطاهم الله الشفاعة، ونحن ندعوهم ونقول: اشفعوا لنا كما أعطاكم الله الشفاعة,  ويضربون مثلا بملوك الدنيا فيقولون: إن ملوك الدنيا لا يوصل إليهم إلا بالشفاعة إذا أردت حاجة فإنك تتوسل بأوليائهم ومقربيهم من وزير وبواب وخادم وولد ونحوهم يشفعون لك حتى يقضي ذلك الملك حاجتك ، فهكذا نحن مع الله تعالى نتوسل ونستشفع بأوليائه وبالسادة المقربين عنده ! هذا قول المشركين، يثبتون شفاعة كل ولي من الأولياء لكل من طلبها منه، وقد وقعوا بهذا في شرك الأولين، وقاسوا الخالق بالمخلوقين, والله تعالى ذكر عن مؤمن يس قوله تعالى: أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا (يس:23) وذكر الله - تعالى - أن الكفار اعترفوا على أنفسهم بقولهم: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (المدثر:43-48).
القسم الثاني: المعتزلة والخوارج , أنكروا الشفاعة لأنهم يعتقدون أن العصاة وأهل الكبائر مخلدون في النار لا يخرجون منها، وأن كل من عمل كبيرة ومات مصرًّا عليها فهو مخلدٌ لا تغني عنه الشفاعة ولا تنفعه ، ويستدلون بالآيات التي فيها نفي الشفاعة مثل قوله تعالى : لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ (البقرة:123) ومثل قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ (البقرة:254) ويقولون: هذه الآيات تنفي الشفاعة، فليس هناك شفاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لغيره ، هذا ما قاله المعتزلة والخوارج بناءً على تخليدهم أهل الكبائر في النار.
القسم الثالث: أهل السنة, يثبتون الشفاعة ولكن بشرطين:
الشرط الأول: الإذن للشافع.
الشرط الثاني: الرضا عن المشفوع, جمع الله الشرطين في قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (النجم:26) وذكر الإذن في قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة:255) وفي قوله تعالى: وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ (سبأ:23) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (طه:109) وقد تكون هذه الآية جمعت الشرطين، وذكر الرضا في قوله تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى (الأنبياء:28) فهذان شرطان للشفاعة، وهي الشفاعة المثبتة: الإذن للشافع، والرضا عن المشفوع له ، والإذن يكون للأنبياء، وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن الناس إذا طلبوا منه الشفاعة لا يبدأ بالشفاعة بل يسجد حتى يقال له: ارفع رأسك وسَلْ تُعْطَ ، واشفع تُشفَّع قال: فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب أمتي يا رب ... الحديث, هذا دليل على أنه لا يشفع إلا من بعد أن يأذن الله له,  وأما الرضا فإن الله لا يرضى عن الكفار كما في قوله تعالى: وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ (الزمر:7) فإذا كان لا يرضى لعباده الكفر، ولا يرضى الشرك ، فلا يأذن في الشفاعة للكفار، ولا يأذن في الشفاعة للمشركين؛ فالشفاعة خاصة بالموحدين، وحقيقتها أن الله - تعالى - يكرم أولياءه وأنبياءه لينالوا المقام المحمود ويقول سبحانه وتعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه ... الحديث . فيحصل منها تكريم الشافع ورفع منزلته ، وأنه يؤتى المقام المحمود الذي وعده الله بقوله تعالى : عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (الإسراء:79) فمن يشفع تعرف منزلتهم وفضيلتهم ، كذلك يحصل منها رحمة المشفوع لهم ، وإخراجهم من العذاب ، تلك فائدة هذه الشفاعة.