الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
82492 مشاهدة
مسألة: إثبات أن القرآن كلام الله حقيقة

وقوله :  
( ومن كلام الله - سبحانه - القرآن العظيم ، وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين ، وصراطه المستقيم، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، مُنزَّلٌ غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. )


شرح:
ولما تكلم على أن الله متكلم ويتكلم، كان ولا بد من أن يذكر أمثلة من كلامه الذي وصل إلى البشر ، وبلا شك أن من أقرب ذلك هذا القرآن الذي بين أيدينا، الذي هو أعظم وأشرف الكتب المنزلة على الأنبياء، ولا شك أنه كلام الله.
ومعلوم أن الله أنزل على الأنبياء كتبًا، أنزل على موسى التوراة، وأنزل على عيسى الإنجيل، وأنزل على داود الزبور، وأنزل على إبراهيم صحفًا كما في قوله: صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ( الأعلى:19 ) ولا شك أن ذلك كله من كلام الله الذي تكلم به وضمّنه شريعته، وأمره، ونهيه.
وكان من آخر الكتب هذا الكتاب المبين، وهذا الذكر الحكيم الذي وصفه الله بذلك، وصفه بأنه الذكر الحكيمن يعني: المحكم، وبأنه القرآن المبين، يعني: البيّن، ووصفه بالهدى، وبالبيان، وبالشفاء، وبالموعظة، وبصفات تدل على عظمته، وعلى عظم مكانته.
وأخبر بأنه منزل من الله بقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ( الشعراء:192-195 ) أنزله الله بلسان عربي حتى يفهمه المُرسل إليهم ، قال الله تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ( إبراهيم:4 ) .
فجعل هذا القرآن بلسان النبي صلى الله عليه وسلم، أي: بلسان العرب، كما أن الكتب المنزلة قبله أنزلها - سبحانه - بألسنة الذين نزلت عليهم، بالسريانية وبها نزل الإنجيل، وبالعبرانية التي هي لسان اليهود، وأما القرآن فإنه بهذه اللغة الفصيحة بلسان العرب، هذا هو قول أهل السنة: أن القرآن منزل غير مخلوق؛ ردًّا على الذين يقولون إنه مخلوق.
منه بدأ يعني: تكلم به الرب سبحانه وتعالى، وإليه يعود: وذلك إذا لم يُعمل به في آخر الزمان يُرفع من الصدور، ويُرفع من الأسطر ومن الكتب، ولا يبقى منه شيء، وهذا معنى قوله: وإليه يعود، كما فسر ذلك شيخ الإسلام في بعض كتبه.
فعند أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله تعالى، وأنه كلام مسموع، أما الأشاعرة فذهبوا إلى أن الكلام معنى قائم بالنفس ؛ قالوا: إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن، وإن عبر عنه بالعِبرية فهو توراة، وإن عبر عنه بالسُريانية فهو إنجيل؛ هكذا يقولون، وأنكروا أن يكون هذا الكلام الذي بهذه الحروف هو نفس كلام الله، وقالوا: إن كلام الله هو المعنى ليس هو اللفظ ، وهذه الحروف التي في هذه المصاحف ليست هي كلام الله ، وأرادوا بذلك التستر حتى لا يقولوا: إن القرآن مخلوق ، وإلا فقولهم قريب من قول المعتزلة الذين يقولون: إن القرآن مخلوق، وهؤلاء قالوا: إنه كلام الله، ولكن كلام الله المعنى دون اللفظ.
وكثيرًا ما يستدلون بالبيت المشهور في كتبهم؛ يقولون: إن الشاعر العربي يقول:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
جُعل اللسان على الفؤاد دليلا
فيقولون: إن كلام الله هو المعنى دون اللفظ، وإن الكلام في الحقيقة إنما هو ما يقوم بالنفس ، وأما ما يسمع بالأذان فلا يسمى كلامًا، وإنما يسمى عبارة أو حكاية، فيقولون: إن القرآن عبارة، أو حكاية عن كلام الله، وليس هو عين كلام الله، هذه عقيدتهم، فكيف نرد عليهم؟ .
العرب لا ينسبون للساكت كلامًا ، ولو كان يزور في نفسه، إنما يُسمى كلامًا بعد ما يُنطق به ، فأما قبل أن يُنطق به فلا يسمى كلامًا.
وأما البيت الذي استدلوا به فينسبونه إلى الأخطل وليس بصحيح ؛ فلم يوجد في ديوانه، وأكثر الشعراء وعلماء الأدب ينكرون هذا البيت ويقولون : إنه مختلق لا أصل له ، ثم رواه بعضهم قائلاً:

إن البيان لفي الفؤاد وإنما
جُعل اللسانُ على الفؤاد دليلاً
 ثم لو قدّرنا أنه صحيح، وأنه من قول الأخطل لم نقبله؛ وذلك لأن الأخطل نصراني، مشهور بتمسكه بالنصرانية، ويفتخر بها، ويمتنع أن يفعل ما يفعله المسلمون ، وقد اشتُهر من شعره قوله:
ولستُ بقائم كالعير يدعــو
قُبيـل الصبح حيَّ على الفلاح
ولستُ بقائدٍ عِيسًا بكــورًا إلى بطحـاء مكـة للنـجاح
ولست بصائم رمضان طوعًا ولست بآكل لحم الأضــاحي
ولكني سأشربها شمـــولاً وأسجدُ عند منبلج الصبــاح
لا شك أن هذا يدل على كفر صريح، وإذا كان يفتخر بأنه نصراني فكيف يُستشهد بكلامه في أمر يتعلق بالعقيدة ؟ ثم - أيضًا - هو يسمى ( الأخطل ) والخطل: هو عيب في الكلام، ثم -أيضًا - هو نصراني؛ والنصارى قد ضلوا في مسمى ( الكلام ) حيث جعلوا ( عيسى ) نفس ( الكلمة ) فإذا كان كذلك فكيف يستشهد بكلام هذا الأخطل النصراني، على أمر من أمور العقيدة ؟ .