إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
82538 مشاهدة
من جملة العقيدة ندين بأن الله تعالى له الأسماء الحسنى

قوله:
( له الأسماء الحسنى والصفات العلى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى


( طه:5-7 ) .
شرح:
هذا من جملة العقيدة ندين بأن له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، ونعتقد أن أسماء الله - تعالى - كلها حسنى، وأن صفاته كلها عُلا، أي: رفيعة المعنى، ورفيعة المدلول، ذكر الله تعالى: أن له الأسماء الحسنى في ثلاثة مواضع: في سورة الأعراف: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ( الأعراف:180 ) وفي سورة طه: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ( طه:8 ) وفي سورة الحشر: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ( الحشر:24 ) .
يعتقد أهل السنة أن الله - تعالى - سمَّى نفسه بأسماء، وسماه بها رسله عليهم الصلاة والسلام، وأنها كلها حسنى، والحسنى مبالغة في الحسن، أي: أنها حسنة رفيعة المعنى جليلة القدر.
وقد ورد في الحديث المشهور الذي في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة ثم في رواية الترمذي وغيره سرد الأسماء إلى أن وصلت إلى تسعة وتسعين، ابتداء بالأسماء التي في آخر سورة الحشر: الرحمن الرحيم الملك القدوس إلى آخرها.
ورجّح العلماء أن سردها ليس مرفوعًا، وإنما هو من بعض الرواة جمعوها من القرآن، ومن الأحاديث، وقد تتبعها كثيرٌ من العلماء من الأدلة والنصوص، وجمعوا ما فيها من الأسماء كما فعل ذلك ابن القيم في ( الصواعق المرسلة )، وقبله البيهقي في ( الأسماء والصفات ) وتبعهما الحافظ الحكمي في ( معارج القبول شرح سلم الأصول ) وجمعها أيضًا: ابن حزم في ( المحلى )، ولكنه اقتصر على ما صح عنده، وأدخل فيها بعض الأسماء التي لم تثبت أنها أسماء؛ أخذ من قوله: وأنا الدهر أن الله يسمى بالدهر، وهذا خطأ.
وبكل حال؛ يعتقد المسلمون أن أسماء الله كلها حسنى، وأنه يدعى بها، ويعتقد المسلمون أن أسماء الله كثيرة لا تنحصر؛ لأن الله - تعالى - أجملها في هذه الآيات، ولم يذكر لها عددًا.
وأما الحديث: فليس فيه أنها محصورة في تسعة وتسعين اسمًا، وإنما أخبر بأن من أسمائه ومما تسمى به تسعة وتسعين اسمًا، اختصت بأن إحصاءها سبب لدخول الجنة، وإلا فلله أسماء كثيرة كما في الحديث الذي في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم: علم أصحابه دعاءً يدعون به، وأوله: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أَمَتِكَ، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك.. .
 فأخبر بأن لله أسماء استأثر بها في علم الغيب، فدل على أن أسماء الله ليست محصورة بل هي كثيرة.
ثم المراد بإحصائها في قوله: مَن أحصاها دخل الجنة ليس هو مجرد حفظها؛ لكنه اعتقاد صحتها والعمل بها، واعتقاد مدلولها، فإن كل اسم دال على صفة.
وقد ذكر العلماء أن كل اسم من أسماء الله له ثلاث دلالات: دلالة على الذات، ودلالة على الصفة المشتقة منه، ودلالة على بقية الصفات، وتسمى دلالته على الذات: ( دلالة مطابقة )، ودلالته على الصفة المستنبطة منه: ( دلالة تضمُّن )، والدلالة على بقية الصفات: ( دلالة التزام ).
فمثال ذلك من أسماء الله ( الرحمن ) كما سمَّي نفسه به في عدة مواضع، هذا الاسم لا ينطبق إلا على الله إذا قيل: الرحمن انصرفت الأفهام إلى الرب تعالى، فهو دال على ذات الرب بالمطابقة، أي: إنه اسم للذات الربانية لا يدل إلا على الله، ولا يصح إلا لله تعالى،- كما إذا قلنا: ( محمد ) على الإطلاق فإنه ينصرف إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فدلالته عليه دلالة مطابقة.
كما أن دلالة ( الرحمن )، و( الرب )، و( العزيز ) على الله - تعالى - دلالة مطابقة، فالنظر في ( الرحمن ) أليس دالا على صفة؟ إنه مشتق من الرحمة، فدلالته على الرحمة التي هو مشتق منها نسميها دلالة تضمن، أي: في ضمن هذا الاسم ( الرحمة )، كما أن ( العزيز ) فيه صفة العزة، و( الغفور ) فيه صفة المغفرة، و( الحكيم ) فيه صفة الحكمة، و( الوهاب )، و( الرزاق )، و( الحكم )، و( العدل ).. كل اسم منها دال على صفة اشتقت منه، فهذه دلالة تضمن، أي: هذه الصفة في ضمن هذا الاسم.
أما دلالته على بقية الصفات، وعلى بقية الأسماء، فإنك تقول مثلًا: إذا سمي الله - تعالى - بالعليم فإن ذلك يستلزم الغِنَى والغفران والسمع والبصر، وهكذا يلزم من اتصافه مثلا بالسميع أن يكون بصيرًا ، ويلزم من اتصافه بالسميع أن يكون غنيًّا، وأن يكون رحيمًا، وأن يكون حكيمًا؛ لأنه إذا لم يتصف بذلك كان ذلك نقصًا في صفة الرحمة.
أي: كيف يكون رحيما وليس بغني، وكيف يكون رحيمًاً وليس بعزيز، وكيف يكون رحيمًا وليس بسميع بصير، وكيف يكون رحيمًا وليس بمتكلم، وكيف يكون رحيمًا وليس بحكيم، وهكذا.
فهذه دلالة التزام، إذا آمن المسلم بهذه الأسماء الحسنى، فمعناه أنه يعتقد دلالتها، يعتقد أن الله تسمى بالرحمن، وأنه متصف بالرحمة، وتسمى بالعزيز واتصف بالعزة، وتسمى بالحكيم واتصف بالحكمة، وتسمى بالسميع البصير، فيعتقد ذلك كله.
إذا فعل ذلك فقد أحصى هذه الأسماء، وإذا أحصاها واعتقد معناها، لزم من ذلك أن يدين بمقتضاها؛ لأنه إذا دان أن الله سميع وسع سمعه الأصوات، ماذا تكون حالته؟ أليس يخاف الله ويرجوه، وإذا دان أن الله بصير لا يستر بصره حجاب، ماذا تكون حالته؟ أليس يراقبه ويعبده؟ ويرجوه ويخافه؟ ويطيعه ويبتعد عن معصيته، إذا فعل ذلك، فإنه تقي نقي يكون ممن يُرجى له الجنة والنجاة من عذاب الله، فعرف بذلك أن إحصاءها التزام جميع الطاعات والبعد عن جميع المعاصي.