إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
82414 مشاهدة
ظهور البدع

وفي السورة التي بعدها يقول تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ( عبس:24-26 ) إلى آخر الآيات، وفي هذا يذكر الإنسان بأن الذي فعل هذا هو الله وحده، ولا يستطيع مخلوق مهما كانت قدرته أن يأتي بمثل هذا الأمر الذي يأتي به الله سبحانه.
إذن فهذا يبين أن العقيدة هي أول ما بدأ به نبينا - صلى الله عليه وسلم - في دعوته ولما بينه للصحابة اعتقدوا ما اعتقدوه في أمر الإله وحده سبحانه وتعالى من أسمائه وصفاته، ومن براهينه وآياته، ومن نعمه وآلائه على خلقه، واعتقدوا أنه أهل أن يعبد وحده، وأن يشكر، وأن يثنى عليه.
اعتقدوا ذلك ولم ينكروا شيئًا من أمر هذا الاعتقاد، اعتقدوا أن الله ربهم وخالقهم ومدبرهم، اعتقدوا أن الله - سبحانه وتعالى - فوق عباده، وأنه على عرشه مستوٍ عليه كما يشاء، اعتقدوا أن له الأسماء الحسنى، والصفات العلى إلى آخر أمر العقيدة.
ولم يظهر فيما بين الصحابة من ينكر شيئًا من أمر الاعتقاد، ولا ظهر فيما بينهم من يرد شيئًا من دلالة النصوص، وهذا من تزكية الله - تعالى - لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ إذ لما زكاهم الله - تعالى - وفضلهم على غيرهم ظهر أثر ذلك، فلم يظهر فيهم، والحمد لله مبتدع، ولا خارجي، ولا قدري، ولا رافضي، ولا معتزلي، ولا أشعري، ولا جبري، ولا مرجئي، ولا صوفي؛ لم يظهر فيهم شيء من هذه البدع، بل كلهم على عقيدة واحدة هي عقيدة أهل السنة، هذا هو ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم.
وبعدما دخل في الإسلام بعض المنافقين من أهل الكتاب وغيرهم بدأ ظهور البدع، ولما ظهرت اهتم الصحابة بإظهار السنن، وأوضحوها بالأدلة القاطعة.
فأول البدع: بدعة الخوارج الذين خرجوا عن الطاعة، وكفروا الصحابة، وكفروا المسلمين، وقتلوا الأبرياء, وقد كثرت الأحاديث التي تبين شأنهم، ومبدأ أمرهم وصفاتهم، وهي أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيحين وفي غيرهما.
 لقد أنكر عليهم الصحابة، وبينوا خطأ طريقتهم، ولما كتب المؤلفون فيما بعد كتبوا في الرد عليهم ما يبيِّن خطأهم، وضمنوا ذلك كتب العقيدة.
وبعد ذلك: خرجت القدرية في آخر عهد الصحابة، وقد أدركهم بعض الصحابة كعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وغيره من الذين تأخر موتهم ومن رءوس القدرية غيلان القدري ومعبد الجهني ؛ خرجوا في آخر عهد الصحابة، وأنكروا علم الله السابق للأشياء قبل وجودها، وقالوا: إنما يعلم الأشياء عندما تحدث، وهذا هو معنى قولهم: إن الأمر أُنف فشنع عليهم الصحابة، واحتجوا عليهم بالأدلة وبالآيات والأحاديث، وحذروا من طرقهم ومن شأنهم، وقد كانوا قلة مغمورين لا يتفطن لهم ولا يؤبه لهم، وإنما الغلبة لأهل السنة والظهور لهم، والكثرة لهم والحمد لله، بينما هم أفراد لا يسمع لهم إلا من هو ضعيف الإدراك، وضعيف العقل.
ثم ظهرت المعتزلة في أول القرن الثاني، اعتزلوا مجلس الحسن البصري، وكان رئيسهم الذي يقال له واصل بن عطاء يجلس يقرر مذهبه، وأخذ يشير لهم الحسن ويقول: هؤلاء المعتزلة اعتزلوا مع واصل فمن ثم اشتهر هذا المذهب الذي هو مذهب الاعتزال بهذا الاسم.
ويمكن أن تأتي بعض الإشارات إليه فيما بعد، ومع ذلك فإن أهله قلة، ومنهم عمرو بن عبيد الذي وجد في وسط القرن الثاني وكان يظهر التنسُّك، ولكنه مبتدع منحرف في باب الاعتقاد.
ثم ظهرت أيضًا بدعة التعطيل، وما أدراك ما هذه البدعة الشنيعة العظيمة المنكرة؛ إنها بدعة الجهمية الذين أنكروا صفات الله تعالى، وتأوّلوا نصوصها، وبالغوا في إنكارها، وكان أول من أنكر بعضها الجعد بن درهم وهو الذي قتله خالد القسري في يوم عيد الأضحى، وقصته مشهورة.
ثم إنه تلقاها عنه -أي بدعة التعطيل- الجهم بن صفوان السمرقندي وهو الذي نشرها ونسبت إليه، وكثر الذين تلقوها عنه، وإن كانوا قلة في ذلك الزمان، ولكن ظهر لهم بعد ذلك أنصار وأعوان، فمنهم بشر المريسي الذي أعلن هذه البدعة؛ بدعة إنكار الصفات، ومنها صفة العلو لله تعالى، وإنكار أن الله متكلم، وأن القرآن ليس كلامه، ونحو ذلك من التعطيل.
ولما كان في آخر القرن الثاني، وأول القرن الثالث، كان وزراء الملوك أغلبهم من اليونان، ومن الترك، وكانوا غالبًا من المجوس في عقيدتهم، ومن النصارى، وعندهم من كتب النصارى وكتب الفلاسفة بقايا، فزينوا للخلفاء أن يترجموها إلى اللغة العربية، فترجموا كتبًا كثيرة من كتب الفلاسفة والملاحدة، ومن كتب اليونان من نصارى ومجوس ونحوهم.
ولما انتشرت تلك الكتب كان في طياتها التشكيك في الخالق، وفي مبدأ الخلق وفي منتهاه، مما كان سببًا في كثرة الزندقة، فظهر في ذلك الوقت مذهب الزندقة، وهو الذي يسمى بمبدأ الشيوعية فتمكنت الشيوعية وظهرت.