إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
109372 مشاهدة
آراء الشيخ في العلوم الفلكية

...............................................................................


فنقول: إن العلامة التي جعلها الله معرفة ظاهرة هي الشمس والقمر؛ أخبر بالحكمة فيها. أخبر بأن الحكمة هي أن تعرفوا عدد السنين وعدد الحساب. عدد الأيام التي تمر بكم، وعدد الأشهر وعدد السنوات. معرفة ذلك بهذه الشمس والقمر.
نعرف أن الله تعالى هو الذي خلق هذه الشمس، وركّبها في فلك تسبح، وخلق القمر وركبه في فلك يسبح. وكذلك النجوم جعلها في أفلاك مركبة؛ تدور فيها كما شاء الله تعالى؛ يقول في هذه الآية: كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ .
كأنها تَسْبَحُ؛ كالسابح الذي يسبح في الماء؛ تسير على نظام واحد: لا تتغير فيه، ولا تترك الفلك الذي ركبت فيه لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ فهذا من آيات الله تعالى.
أما مقدارها فلا يعلم قدرها إلا الله. يعني: كون هناك من يقيس حجمها، ويقول: إنها كذا وكذا -حجمها وكبرها- أو كبر القمر، أو كبر النجم الفلاني ويحددونه. لا شك أن هذا من علم الغيب. وذلك لأن الإنسان خلق على الأرض، ولا يتجاوز علمه هذه الأرض. فهو خلق منها ويعود فيها ولا يتجاوز ما وراءها؛ فليس له أن يتدخل في العلوم الغيبية الغائبة البعيدة عنه.
جاء أو تمكَّن في هذه الأزمنة من يتسمون بأهل الهيئة؛ أي علم الهيئة؛ فصاروا يقدرون كبر الشمس، فقالوا: إن الشمس أكبر من الأرض بكذا وكذا، وأن القمر أنه أكبر من الشمس بكذا أو أكبر من الأرض بكذا. من الذي أخبركم بذلك؟ هل وصلتم إلى الشمس وقستموها؟ لا شك أن هذا من علم الغيب، لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها. والله تعالى خلقنا، وجعلنا من أهل الأرض، وليس لنا اتصال بالسماء؛ ولو كانت الشياطين تصل إلى السماء، وكذلك الجن؛ ولكن محجوبون أيضا عن أن يصلوا إلى أن يقيسوا الشمس ويعرفوا مقدارها، ويقيسوا القمر ويعرفوا مقداره، ويقيسوا النجوم ويعرفوا مقدارها؛ بل هم من هذه الأرض خلقوا منها وإليها يعودون؛ فالله تعالى يقول: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ أي: ما شهدوا خلق الأرض عندما خلقت؛ من أي مادة خلقت؟ ولا خلق السماء، ولا خلق ما في السماء؛ فكيف يدعون بـأن هذا مقدار السماء، ومقدار الأرض، والمسافة التي بينهما، ومسافة سير الشمس إلى كذا وكذا؟ ومتى تتوقف الشمس؟ ومتى يتوقف القمر؟ وما أشبه ذلك؛ فيدعون أنها ثابتة راكدة لا تتغير من مكانها. لا شك أن هذا كله تدخل في علم الغيب.
وقد تمكن هؤلاء الذين يدعون أن الشمس واقفة، وأن دورانها إنما هو دوران حول نفسها كما تدور الرحى، أو كما تدور المروحة السقفية الكهربائية؛ وهي ثابتة في مكانها. هكذا يقولون، وأن الذي يدور هو هذه الأرض، وأن دوران الأرض استدارتها كما يستدير المغزل الذي تديره المرأة في يدها، وأن هذا هو الذي يحصل به الليل، ويحصل به النهار. وما أشبه ذلك.
كل هذا قد رده الله تعالى، وأخبر بأنه ليس بصحيح. أخبر الله تعالى بأن الأرض مستقرة، قال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وقرارا يعني: ثابتة مستقرة. وأخبر بأن الشمس تطلع وتتزاور؛ كما في قوله: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ أليس في هذا دليل على أنها تطلع وتغيب؟ وهكذا القمر يطلع أيضا ويغيب؛ تشاهدونه في أول الشهر قريبا من الشمس، ويكاد أنه يلتصق بها.
وذلك لأنه بمنزلة الزجاجة؛ فإذا كان قريبا منها شعّ نورها في حافته؛ في طرفه الذي يليها فلم يشعّ ولم يظهر إلا شيء قليل مما يليها. وإذا كان في الليلة الثانية ابتعد عنها؛ وذلك لأن سيرها أسرع من سيره، ففي الليلة الثانية يتأخر عنها قليلا، وكلما تـأخر عنها سطع نورها فيه. وهكذا كلما ابتعد عنها منزلة ازداد سطوعها فيه إلى أن يتكامل ضوءه إذا انتصف الشهر، فكان في المشرق والشمس في المغرب. وهنالك يسطع نورها فيه فيضيء كاملا. هكذا أجرى الله تعالى سنته.
أليس ذلك دليلا على أن القمر يسير؟ لو كان ثابتا لما تغير موضعه كما يقولون: إن الشمس لا يتغير موضعها. فكيف يكون في الليلة الأولى إلى جانب الشمس، وفي الليلة الثانية يبعد عنها قليلا، وكل ليلة يبعد عنها إلى أن يصير في نصف الشهر هي في المغرب وهو في المشرق؟ ثم بعد ذلك يقرب منها شيئا فشيئا. لا شك أن هذا دليل على أن الله تعالى قدر له هذه المنازل، فقال تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ أي: كل ليلة له منزلة وبين المنزلتين نحو أربعين دقيقة أو نحوها، يعرف ذلك من اختبره، فتعرف ذلك بالدقة لو اختبرت ذلك، وسبرت مغيبه في الليلة الأولى، ثم مغيبه في الليلة الثانية بالدقيقة، ثم في الثالثة؛ فوجدت بين كل ليلتين نحو أربعين أو اثنين وأربعين دقيقة.
لا شك أن هذا دليل على أن الله تعالى جعلها سائرة مذللة مسخرة بأمره، وأنها تسير، وأنها ليست واقفة؛ كما يقول هؤلاء المتأخرون الذين تخرصوا في علم الغيب، وتدخلوا فيما لا ينبغي لهم التدخل فيه.