جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
109364 مشاهدة
وظائف الملائكة

...............................................................................


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.. فإن من أركان الإيمان: الإيمان بالملائكة الذين هم عباد الرحمن، ذكر رحمه الله تعالى في قسم الربوبية . لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الذين هم عبيد الرحمن، الذين خلقهم لعبادته, وصفهم في هذه الآية بالقرب وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ .
ثم خلقهم الله تعالى على هيئة وخلقة لا نعلمها. أي: كيفية خلقتهم, بحيث أنا لا نراهم وهم يروننا.
وقد وكل الله تعالى الملائكة بحفظ بني آدم وَكَّلَهُمْ بكتابة الأعمال. لكل إنسان ملكان يكتبان أعماله, أي: ملك الحسنات, وملك السيئات. يقول تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ .
وهذا بلا شك يحمل كل مسلم على أن يتثبت في الأعمال، يكثر من الحسنات, يعلم أنها تكتب، ويقلل من السيئات, أو يبتعد عن عملها, يعلم أنها تكتب, حتى كلماته وأحاديث قلبه وعمل بدنه, كل ذلك يكتبه الملكان، كما في قول الله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ هكذا وصفهم الله بأنهم حافظون, وبأنهم كرام على الله تعالى؛ لرتبتهم, ولشرفهم, وفضلهم، وأنهم كاتبون لكل ما يعمله العبد، وأنهم يعلمون أفعال العباد يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ فيكتبونه. يدخل فيما تعملون: حديث القلب, ويكتبونه, يطلعهم الله تعالى على ذلك, فيكتبونه حتى يحاسب على عمل قلبه، وعلى قول لسانه، وعلى أعمال جوارحه, يجد ذلك كله مكتوبا.
دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا هَمَّ العبد بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة.. يقول الله للملائكة: إذا هَمَّ عبدي بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له بمعنى: أنه تركها لعذر أو لعجز, وإذا هم بسيئة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة, يقول الله: إنما تركها من جرائي أي: تركها خوفا من الله. الهم: حديث قلب، ومع ذلك يكتبونه. حديث القلب الذي يحدث الإنسان بقلبه أنه سوف يعمل كذا, ومع ذلك لا يعمله, يُطْلِعُ الله الملائكة على عمله, فيكتبونه في سجل الحسنات, أو السيئات، على حسب ما يكون بقلبه. كذلك الملائكة الموكلون بحفظ بني آدم إلا عن الْمُقَدَّر.
ودليل ذلك قوله تعالى قوله: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي: الملائكة, أي: يحفظونه بأمر الله. فكل إنسان قد وكل الله تعالى عليه ملائكة يحفظونه بأمر الله ولا يخلص إليه شيء إلا ما قدره الله تعالى عليه. ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار أي: ملائكة يحفظون العبد ليلا, وملائكة يحفظونه نهارا. فقول الله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ هم الملائكة, يعني: أمامه وخلفه, وعن جانبيه يحفظونه بأمر الله، أو يحفظونه إلا مما قدر الله تعالى عليه. فهؤلاء جنس من الملائكة.
كذلك أيضا هناك ملائكة ينزلون في الأرض ليحضروا أماكن العبادة، يقول صلى الله عليه وسلم: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل, وملائكة بالنهار, ويجتمعون في صلاة الفجر, وصلاة العصر, فيصعد الذين باتوا فيكم يعني أن ملائكة الليل يصعدون إذا نزل ملائكة النهار في صلاة الصبح فيسألهم ربهم, فيقولون: أتيناهم وهم يُصَلُّون, وتركناهم وهم يصلون يعني: جاءوا وقت صلاة العصر, وصعدوا وقت صلاة الفجر. فهؤلاء هم الذين يحضرون الصلوات. هناك أيضا ملائكة يحضرون أماكن الذكر وهم السياحون، ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله ملائكة سياحين أي في الأرض. فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هَلُمُّوا إلى حاجتكم! فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء, فيسألهم ربهم -وهو أعلم منهم- فيقولون: جئنا من عباد لك يذكرونك ويشكرونك ويعبدونك. فيقول الله: وهل رأوني؟ قالوا: لا والله ..... هم القوم لا يشقى بهم جليسهم يعني: هذا الذي ليس منهم عادة, وإنما جاء لحاجة، وجلس معهم, وأخذ يستمع ما يذكرون، يستمع ذكرهم لله, وتعظيمهم له, وتعليمهم لآياته, وذكرهم لآلائه ونعمه, وثنائهم عليه, وعبادتهم له -تسبيحا, وتكبيرا, وتحميدا, وتهليلا, واستغفارًا, ودعاء, ورغبة, ورهبة, وإنابة, وتوبة- يعبدونه ويحمدونه, فهذا جلس معهم، ولا شك أنه في هذه الحال سوف يرق قلبه, وسوف يجل قلبه, ويقشعر جلده.
وهكذا أيضا إذا ذكروا الجنة, وذكروا ثوابها, وما فيها من النعيم, وأخذوا يسألون ربهم أن يجعلهم من أهلها, وأن يؤهلهم لذلك الثواب. وهكذا إذا ذكروا النار وذكروا عظمتها وحرارتها وشدتها وما فيها من العذاب والنكال والحميم والغساق، عند ذلك تقشعر جلودهم, ويسألون ربهم أن يعيذهم من هذا العذاب. فهذا الذي جلس معهم عادة أنه يرق قلبه, فيدخل في قول الله تعالى في صفة القرآن: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تلين قلوبهم و جلودهم إلى ذكر الله تعالى. فهذا نوع من الملائكة عملهم أنهم يتتبعون حِلَقَ الذكر, وأنهم يحفظون ما يقولون، مع أن الله تعالى عالم بهم, وعالم بالذاكرين والذاكرات.
كذلك أيضا من الملائكة من وصفوا بأنهم يبلغون محمدا صلى الله عليه وسلم السلام من أمته، يقول: إن لله ملائكة يبلغوني من أمتي السلام أي: مَنْ سَلَّم عَلَيَّ في أطراف الأرض فإن الملائكة يبلغونه حتى يرد عليه السلام، التبليغ -هاهنا- الإخبار؛ أن فلانا يصلي عليك, أو يسلم عليك فيقول :عليه السلام. لا يحصي عددهم إلا الله.
المسلمون في أطراف الأرض وفي كل ناحية من النواحي كل مَنْ صلى عليه وسلم عليه فإن هناك ملائكة يبلغونه -صلى الله عليه وسلم- من هؤلاء أنهم يسلمون عليك, ويصلون عليك. ولذلك ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا تجعلوا بيوتكم قبورا, ولا تجعلوا قبري عيدا, وصلوا عَلَيَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم وفي رواية فإن تسليمكم يبلغني أي: أن هناك ملائكة يبلغونه من أمته مَنْ يصلي عليك مِمَّنْ يسلم عليك.
وهكذا ملائكة من جملة الملائكة, سخرهم الله تعالى وأمرهم بهذا الأمر العظيم. ولذلك يقول بعض السلف، وهو زين العابدين لما رأى رجلا يأتي من أطراف المدينة يسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- عند القبر، قال له: ما أنت ومَنْ بالأندلس إلا سواء. الأندلس البلاد الغربية التي تعرف الآن بأسبانيا ومَنْ حولها. أي أنت الذي في المدينة والذين في أسبانيا على حد سواء. مَنْ سَلَّمَ عليه فإنه يصل إليه السلام من قريب أو من بعيد، تُبَلِّغُهُ الملائكة السلام والصلاة من أمته.