اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
109474 مشاهدة
أهمية المتابعة والعمل بالعلم

وأما الشرط الثاني الذي هو المتابعة فهو الذي نتعلم لأجله، نتعلم حتى تكون أعمالنا صوابا؛ وذلك لأن الذين يعملون إما أن يعملوا على جهل، وإما أن يعملوا.. يعلمون ولكن يتركون العمل، وإما أن يعملوا على برهان، فالذين تعلموا وعرفوا وتفقهوا ولكنهم لم ينتفعوا ولم يعملوا بما تعلموه هؤلاء يصير علمهم حجة عليهم, ويستحقون العذاب على ما تحملوه وعلى ما عملوه؛ حيث علموا ولم يعملوا.
ورد في بعض الآثار: أن الذين يعلمون ويخالفون يعذبون قبلَ أن يعذب الجاهلون والمشركون، فيقولون: يا رب! كيف نعذب قبل المشركين؟ فيقال: ليس من يعلم كمن لا يعلم، أي: أنتم تعلّمتم ولكنكم خالفتم، وأخذ ذلك بعض أهل العقائد، فقال:
وعـالـم بعلـمـه لـم يعملـن
معـذب من قبـل عابـد الوثـن
وفي ذلك أيضا يقول بعضهم:
فإن كنت لا تـدري فتلك مصيبـة
وإن كنت تدري فالمصيبـة أعظم
فالمصيبة أعظم يعني: إذا كنت تدري وتعلم ولكنك لا تعمل، أو تدري وتعلم ولكنك تخالف فالعقوبة أعظم؛ ولهذا ينكر بعض العلماء على بعض الذين يقولون ولكنهم يخالفون.
فيقول: ألسنة تصف، وقلوب تعرف، وأعمال تخالف؛ تصف ألسنتهم الحقائق؛ يصفون العلوم, ويصفون الأعمال, ويعرفون بقلوبهم؛ يعرفون الحق, يعرفون الأدلة, يعرفون الوعيد, يعرفون حقيقة الأعمال, ولكن مع ذلك لا يعملون, يخالفون ما يقولونه، فيدعون إلى الخير ولا يفعلونه، أو يعرفونه ولا يعملون به, وإذا كانوا يعلمون الناس, ومع ذلك لا يطبّقون ما يعلمونه صار الناس ينتفعون بعلومهم, وهم لم ينتفعوا بتلك العلوم، فيكون ذنبهم أكبر؛ ولهذا يقول بعضهم:
مـواعظ الـواعـظ لـن تقبــلا
حـتى يعيـهــا قـلـبـه أولا
يـا قـوم مـن أظلم من واعـظ
خالـف مـا قـد قالـه في الملا
أظهـر بيـن النـاس إحسـانـه
وخـالف الرحـمن لـمـا خـلا
فالذي تَعَلَّمَ وتفقه, وعرف الحق, ولكنه لم يطبّق, يُعَلِّمُ الناس ولا يعمل, مثله كمثل السراج يضيء للناس, ويحرق نفسه.
فنعرف هذا القسم الذين عَلِموا وعلّموا, ولكنهم لم يطبّقوا, ولم يعملوا بما عرفوه، أنهم أشد إثما من الجهلة, أو من العصاة العتاة الذين عصوا على جهل. لا شك أن الذين عصوا الله تعالى على جهل يُعَذَّبُون؛ لأنهم أعرضوا عن العلم، كان الواجب عليهم أن يتعلموا حتى ينوروا بصائرهم، وحتى يعرفوا الأحكام والوعد والوعيد, ولكنهم أعرضوا عن التعلم, وأعرضوا عن الاهتمام بالشرع، وانشغلوا بشهواتهم وبِلَهْوهم وبدنياهم, انشغلوا بذلك, فأصبحوا مستحقين للعذاب بهذا الإعراض.