من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
80055 مشاهدة
اتصاف المولى عز وجل بالغنى

انتقل بعد ذلك إلى صفات ذاتية وفعلية.
وهو الغنـي بذاتــه سـبحانــه
جل ثنــاؤه تـعـالـى شـانــه
( الغني بذاته ) أي: أن وصف الغنى له وصف ذاتي، أثبته الله -تعالى- فقال تعالى: فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ أي: استغنى عنهم، وعن إيمانهم فهو غني حميد، وقال تعالى: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ وصف نفسه بأنه هو الغني، وأن خلقه هم الفقراء، وقال تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ أي: أنه غني عن عبادتكم، وغني عن إيمانكم، وغني عن أعمالكم، لا تنفعه طاعة المطيعين، ولا تضره معصية العاصين.
وجاء في حديث أبي ذر القدسي: أن الله -تعالى- يقول: يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني يعني: أن أعمالكم لا تزيد ولا تنقص في ذات الله -تعالى- ولا في ملكه، وفي هذا الحديث يقول: يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته؛ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يعني: أنه –سبحانه- خزائنه ملأى.
ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم في الحديث: يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه يعني: أنه –سبحانه- يعطي كما يشاء، ولما وصفه اليهود بقولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ يعني: عن العطاء؛ مغلولة عن العطاء فهو بخيل؛ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ مبسوطتان بالعطاء ينفق كيف يشاء، عطاؤه كلام، وعذابه كلام إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فالله - سبحانه وتعالى - هو الغني بذاته، والمخلوقون فقراء إليه.
فالله -تعالى- موصوف بأنه له الغنى الذاتي، والمخلوق له الفقر الذاتي. يعني: إن المخلوق فقير بالذات، ولو ملك ما يملك فإنه يعتبر فقيرا؛ لأنه سوف يذهب أو يُذهَب به، ويفارق ذلك الملك وذلك المال ونحوه، في بيت منسوب لشيخ الإسلام - رحمه الله - يقول فيه:
فالفقر لـي وصف ذات دائما أبــدا
كما الغنـى أبدا وصـف لـه ذاتــي
( فالفقر لي ) يعني: أنا الإنسان.
فالفقر لي وصـف ذات دائما أبــدا
كما الغنـى أبـدا وصف لـه ذاتــي
وصف ذات لله - سبحانه وتعالى - فهذا معنى قول الناظم: ( وهو الغني بذاته سبحانه ). يعني: موصوف بالغنى غنى بالذات ( جل ثناؤه تعالى شأنه ). جل ثناؤه يعني: عظم الثناء عليه. تعالى شأنه أي: تعالى وتقدس شأنه.
وكل شـيء رزقــه عـلـيــه
وكلنــا مفتـقـــر إلـيــــه
وما من دابة. أي: في الأرض ولا في السماء. وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ويقول تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ فكل شيء رزقه على الله تعالى، يسر الله -تعالى- لها الأرزاق، وسهل لها الحصول على رزقها، وخلق لها قوتها، وجعل لكل شيء قوتا يناسبه، فلا تكاد تجد دابة ميتة من الجوع: لا طيرا، ولا حشرة، ولا وحشا، ولا غير ذلك. بل جعل الله تعالى لها من الرزق ما تقتات به، وما تعيش به في هذه الحياة الدنيا، ( فكل شيء رزقه عليه، وكلنا مفتقر إليه ) أي: كلنا فقراء إلى الله تعالى، كما في الآيات التي ذكرنا: أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ .