اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
90633 مشاهدة
أفضل ما يكون في حكاية الخلاف عن بني إسرائيل

يقول: فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف ؛ أن تستوعب الأقوال. يعني تسرد الأقوال كلها في ذلك المقام، ثم ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، يبين بطلان الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ فيقال: ثمرة الخلاف كذا وكذا؛ لئلا يطول النزاع والاختلاف فيما لا فائدة تحته؛ فيشتغل به عن الأهم؛ وذلك لأن الذين يحكون أقوالا لا طائل تحتها يشغلون الناس بما لا فائدة فيه؛ فالأولى إذا كان هناك أقوال أن تذكر الأقوال، ثم بعد ذلك يبين الصحيح منها؛ ليكون الذي يختار قولا يقتصر على القول الصحيح.
وكذلك يحكي كثير من العلماء، منهم ابن الجوزي في تفسيره المشهور، فإنه يذكر في كل آية عددا من الأقوال؛ ولكنه مع ذلك لا يرجح؛ فيقول: فيها ثلاثة أقوال؛ الأول كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، فيها قولان، فيها خمسة أقوال. والأولى أنه إذا ذكر الأقوال يرجح ما يختاره، وإن كان ترجيحه قد يكون مرجوحا.
يقول: فأما من حكى خلافا في مسألة، ولم يستوعب أقوال الناس فيها؛ فهو ناقص. يأتي ببعض الأقوال دون بعض، فهذا ناقص تفسيره وحكايته، وقد يكون الصواب هو القول الذي تركه. يعني قد يكون القول الذي تركه هو القول الذي أولى بالصواب.
أو يحكي الخلاف ويتركه، يحكي في المسألة قولين أو ثلاثة، ولا يبين ما هو الأرجح، يطلق الخلاف ولا ينبه على الصحيح من الأقوال؛ فهذا أيضا ناقص، فإذا فتح الله تعالى عليه وترجح عنده أحد الأقوال؛ فإن عليه أن يبين ما ترجح عنده، وأما إذا لم يترجح عنده شيء؛ فله أن يطلق ذلك، ويقول: الله أعلم. إذا لم يترجح عنده شيء يقول: هذه أقوال ويمكن أن يكون القول الصواب فيها، ويمكن أن تكون كلها صوابا.