عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
83748 مشاهدة
غربة الإسلام بدءا ومنتهى

...............................................................................


فإذا عرفت هذه الحقيقة.. تبين لك أن كثيرا من الناس عن هذا بمعزل -يعني- عن حقيقة هذا التوحيد، وهذا الإخلاص، أنهم بمعزل عن إخلاص العبادة لله وحده، كثير من الناس؛ ويعني بذلك: الكثير في زمانه؛ فإنه خرج في زمان تحققت فيه غربة الإسلام ؛ ولهذا استدل بهذا الحديث يقول: يتبين لك معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهذا الحديث في صحيح مسلم في آخر الكتاب، أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الإسلام بدأ غريبا؛ يعني: أول ما دعا ما كان يدخل في الإسلام إلا أفراد قلة، وإذا دخل في الإسلام فإنه يتستر، يخشى أن الناس يؤذونه؛ لأن من أسلم منهم يعذب، يلاقي عذابا شديدا، والذين يسلمون غالبهم من الضعفاء من الموالي كعمار بن ياسر وأبيه وأمه سمية و صهيب و بلال وأشباههم من المستضعفين، أوذوا في ذات الله -تعالى-.
في حديث عن خباب -رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! ألا ترى ما يصيبنا؟! فجلس، وقال: قد كان من كان قبلكم يمشط بأمشاط الحديد ما بين عظمه واللحم ولا يصده ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه حتى يشق نصفين ولا يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر ولكنكم تستعجلون أخبر في هذا بأنكم ما نالكم إلا القليل الذي نال قبلكم أو عذب به المؤمنون ممن قبلكم؛ ولكن مع ذلك -بلا شك- نالهم عذاب، فكان –مثلا- بلال لما كان مملوكا لأمية بن خلف كان أمية بن خلف يوثقه برباط، ثم يلقيه في الشمس في نحو الظهيرة، ويقول: لا أُطْلقك حتى تكفر بمحمد ولم يزل كذلك إلى أن اشتراه أبو بكر -رضي الله عنه- وأعتقه. فهذا -بلا شك- دليل على تحملهم، فهذا دليل على غربة الإسلام، أن أوله غريب، ثم لما هدى الله -تعالى- الأنصار في المدينة وأسلموا وبايعوا، وهاجر إليهم المهاجرون من أهل مكة الذين قد آمنوا من أهل مكة والتجئوا إليهم كانوا -أيضا- غرباء؛ يعني: أنهم قلة بالنسبة إلى غيرهم، فالبلدان حولهم مخالفون لهم، وكذلك البوادي الذين في الجزيرة كلهم مخالفون لهم، فيكون الإسلام غريبا؛ بمعنى: أنه في أهله غربة، الغربة: هي القلة. الغريب: هو المستغرَب بين الناس الذي لا يعرفه أحد، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ؛ يعني: كأنك لست من أهل البلد، إذا جاء إنسان مسافر في بلدة لا يعرفها ولا يعرفه أحد من أهلها سمي غريبا، غالبا أنه لا يؤويه أحد، فيكون يبيت في المسجد ونحوه، فيكون المسجد دار الغرباء.
فيقول: إن الإسلام بدأ في أهله مستغرَب -يعني- كالغريب الذي في بلد ليست بلده. ثم أخبر بأنه يعود غريبا كما بدأ -أي- تعود غربته، وقد تحققت الغربة في كثير من الأزمنة؛ وبالأخص في هذا الزمان، غربة الدين، اشتدت غربة الدين في هذا الزمان، وكذلك قبله بعدة قرون. فمنذ القرن العاشر والإسلام في غربة، يعني: التوحيد الذي هو دين الله الصحيح الذي ارتضاه دينا، أهله الذين يحققونه غرباء، قليلون، من علامة غربتهم: أن الآخرين يحتقرونهم، أو يكفرونهم، أو يضللونهم.