إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
48666 مشاهدة
من أسباب المروق من الدين: الغلو

...............................................................................


هذا الغلو الذي وقعوا فيه حقيقته أنه شرك بالله تعالى؛ حيث إنهم خالفوا النصوص، سمعنا الآيات التي في النهي عن الغلو قول الله تعالى في سورة النساء: يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ فالغلو هو مجاوزة الحد، والنهي الذي جاء لأهل الكتاب جاء في كتابنا فهو نهي لنا، فإن كل الخطابات التي في القرآن موجهة إلى اليهود أو إلى أهل الكتاب مراد بها تنبيه الأمة ألا يفعلوا كفعلهم.
حيث إن من فعلهم وبالأخص النصارى الغلو في عيسى وفي أمه؛ حيث قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، عيسى وأمه وروح القدس، أو الله والمسيح وأمه، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وحكى ذلك عنهم: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ يعني يتحداهم ويحذر الأمة أن لا يفعلوا كفعلهم، وأنهم إذا لم ينتهوا سيمسهم عذاب أليم، فهذا دليل على أن الغلو أوقعهم فيما أوقعهم فيه.
ثم إنهم لما غلوا في هؤلاء في أهل البيت في علي وفي ذريته قلدهم الجهلة فاتبعوهم، فيوجد في كثير من البلاد الإسلامية قبور قد شيدت وبني عليها ورفعت، وصار الناس يأتون إليها من أماكن بعيدة يتحرون الصلاة عندها، ويتحرون الدعاء عندها، ويدعون أنها إذا دعوا عندها شفعت في دعائهم ورفع، وأن الصلاة عندها أفضل من الصلاة في المساجد فوقعوا في الشرك، في العراق وفي اليمن وفي الشام وفي مصر وفي إفريقيا وفي الهند وفي السند وفي غالب البلاد الإسلامية.
وحتى في هذه البلاد حتى طهرها الله تعالى في عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، جاءهم الشيطان في بلد يقال لها: العيينة وقال: إن هذا قبر زيد بن الخطاب فبنوا عليه بنايات وصاروا يعبدونه ويطوفون به، وكذلك في مكان آخر جاءهم الشيطان وقال: هذا قبر السيد الذي يسمونه تاج وآخر اسمه شمسان وآخر اسمه يوسف وأشباههم.
فالحاصل أن هذا النوع من الغلو يعتبر شركا وكفرا يحبط الأعمال، فلما أن الذين اشتهروا به أولا هم الرافضة وفعلوا ما فعلوا مما يخالف عقيدة المسلمين كفرهم المسلمون وقاتلوهم، وبالأخص ملوك في مصر يسمون أنفسهم الفواطم، أنهم من ذرية فاطمة وهم كذبة، يعرفون ببني عبيد القداح، ولما أنهم ظهرت مخالفاتهم وظهر شركهم وغلوا في الصالحين وغلوا في الأولياء أو من يسمونهم أولياء من الصوفية ونحوهم عند ذلك قاتلهم أهل السنة، وانتزعوا الملك منهم، وقضوا عليهم حتى تفرقوا، ولم يزل أهل السنة يحذرون من الرافضة، ويبينون عداءهم للإسلام وللمسلمين.
فالحاصل أن هذا نوع من أسباب التفرق؛ من أسباب الكفر وهو الغلو في الصالحين، وقد حذر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سمعنا وفي حديث عن ابن عباس لما ركب النبي صلى الله عليه وسلم ناقته في مزدلفة وأراد التوجه إلى منى أمر ابن عباس أن يناوله سبع حصيات ليرمي بها جمرة العقبة، فناوله سبع حصيات مثل حصى الخذف، الحصى الذي يخذف به بين الأصابع، فجعل ينثرهن بيده ويقول: بمثل هذا فارموا يا عباد الله، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين فكأنه يقول: إن كونكم ترمون بحجارة كبيرة مثل بعر الإبل أو نحوها يعتبر غلوا، هذا من الغلو في الدين.
فإذا كان الغلو يدخل حتى في رمي الجمرات، فبطريق الأولى أن يكون مذموما الغلو في العباد، بأن يعتقد أن صاحب هذا القبر ينفع، أو أنه يقبل النذر، أو أنه يفيد من دعاه، أو أنه يملك ما لا يملك العباد، ويؤدي بهم هذا الاعتقاد إلى أن يعكفوا حوله، وأن يتبركوا بتربته، وأن يسافروا لأجله، وأن يتمسحوا به، وأن يهتفوا باسمه، فكيف لا يكون هذا غلوا؟! بل هو مثل غلو النصارى في قولهم: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ أو في قولهم: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ .