اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
shape
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
83143 مشاهدة print word pdf
line-top
وسطية الأمة بين اليهود والنصارى في باب الحلال والحرام

...............................................................................


أما التوسط في باب الحلال والحرام فهذا ذكر الشيخ رحمه الله أن هذه الأمة أيضا توسطوا في باب الحلال والحرام بين اليهود والنصارى، فاليهود شدد عليهم التحريم. قال تعالى في الآية التي سمعنا: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يعني: بسبب ظلمهم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ .
وكذلك قال لهم عيسى لما جاء أحل كثيرا من الطيبات قال: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ففي شريعة عيسى التحليل؛ تحليل كثير مما كان محرما على اليهود. أما اليهود فإنه شدد عليهم، ثم إنهم أيضا زادوا في التشديد؛ اليهود زادوا في التشديد؛ شددوا فشدد الله عليهم، والنصارى زادوا في التوسع، وزادوا في التساهل فاستحلوا المحرمات واستحلوا النجاسات.
ذكر الله أن اليهود حرم عليهم بعض الطيبات مثل الشحوم......

.... إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ الذي حرم عليهم شحم الثرب وشحم الكليتين وشحم القلب، والشحم الذي في البطن ونحوه؛ هذه محرمة عليهم.
كذلك أيضا محرم عليهم كل ذي ظفر. الإبل لا يأكلونها، وكذلك ما يشبهها في الخلقة كالنعام الذي يده مثل الإبل. كل ذي ظفر الإبل تطأ على خفافها ليست على حوافر، ولا على أظلاف؛ مثل البقر والغنم. حرمت عليهم هذه الطيبات، والمحرمات عليهم كثيرة.
ذكر شيخ الإسلام أن المحرم عليهم ثلاثمائة وستون من المحرمات؛ يمكن أنها الدواب، ويمكن أنها من النباتات وما أشبهها، الدواب قد تكون محرمة عليهم الكثير، ولكن يمكن أنها أجناس؛ أجناس مما حرم عليهم، وكذلك من النباتات والمأكولات وما أشبهها.
من جملة ما حرموا على أنفسهم، وتشددوا فيه مؤاكلة الحائض. المرأة إذا حاضت لم يجالسوها، ولم تأكل معهم، ولم تجلس معهم في منزل؛ بل يعتزلونها ويبعدونها ولايأكلون معها. هذا من التشدد. النصارى لايبالون بها؛ بل يستحلون وطء الحائض ولايبالون بالأذى الذي ذكر الله. جاء الإسلام بتحريم الوطء في الحيض قال النبي صلى الله عليه وسلم: افعلوا كل شيء إلا النكاح فهذا توسط بين هؤلاء وهؤلاء.
كذلك الله تعالى ذكر أن هذه الأمة متبعون لهذا النبي الذي جاءهم من الله تعالى، والذي ذِكْره مذكور في الكتب السابقة؛ في قول الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ .
إذا اتبعوه وضعت عنهم الأغلال، ووضعت عنهم الآصار. هذه الآية فيها قراءتان: (ويضع عنهم آصارهم والأغلال التي كانت عليهم) آصارهم يعني: جمع إصر. قال تعالى: رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا قال الله: قد فعلت؛ ثبت ذلك في الصحيح. الإصر هو الثقل العهد الثقيل؛ العهود الثقيلة تسمى آصارا، كما في قوله تعالى: وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي يعني: عهدي الشديد، فالآصار التي كانت عليهم هي الأشياء الثقيلة التي يثقل فعلها؛ تشدد في العبادات ونحوها.
ذكروا أنهم إذا أصاب ثوب أحدهم نجاسة لا يغسلها بل يقرضها، ومن التشديد عليهم أنهم لا يصلون إلا في كنائسهم وأماكن متعبداتهم، وسع الله على هذه الأمة، وجعل النجاسة تطهر بالماء وبالغسل.
ذكروا أيضا من التشديد عليهم أن أحدهم إذا أذنب ذنبا كتب على منزله، أو على محله أن هذا قد أذنب ذنبا؛ إلى غير ذلك من أنواع التشديد؛ فهؤلاء تشددوا فشدد عليهم، وأما النصارى فإنهم صاروا يأكلون الخبائث، ولا يبالون بأكل الميتة وبأكل لحم الخنازير كما هو معروف عندهم.
وكذلك أيضا بملابسة الدماء والنجاسات لا يبالي أحدهم أن يصيب ثوبه بول أو نجاسة، أو نحو ذلك، فهم بضد اليهود في التشدد. هم في غاية التساهل إلى حد التفريط، وخير الأمور أوساطها. الإسلام جاء بالطهارة ولكن بدون تشديد.

line-bottom