شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
50999 مشاهدة
أنواع من المحرمات

...............................................................................


وكذلك أيضا المحرمات أشار الشيخ رحمه الله إلى آيات فيها أنواع من المحرمات، فآية الأنعام قول الله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ذكر الله بها عشرة: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا هذا محرم يعني: الشرك، وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا هذا واجب، ولكنه فيه نهي عن محرم وهو العقوق كأنه قال: اجتنبوا الشرك، واجتنبوا العقوق للوالدين؛ أحسنوا إليهما واتركوا الإساءة التي هي العقوق.
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ هذا الثالث، والنهي عن قتل الأولاد هذا أمر بتربيتهم وبالإحسان إليهم وبتعليمهم، وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ هذا نهي مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ الأشياء التي تستفحش وتستقبح؛ سواء كانت من المأكولات كأكل الميتة وأكل الدم، وشرب الخمر وما أشبهها، أو من الأفعال كالزنا والربا ونحوها مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ هذه الآية فيها خمسة، ثم قال: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ هذا السادس إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ هذا اليتيم يعني ضعيف لا يتصرف لنفسه؛ وليه عليه أن يحسن فيه.
ثم يأمر الله تعالى بوفاء الكيل والوزن؛ وهو نهي عن البخس، ثم يأمر بالوفاء بالعدل: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى يعني: تكلموا بالعدل ولو كان عليكم فيه ضرر؛ تشهد على ولدك؛ تشهد على أخيك بما فعل ولا تكتم الشهادة، ثم قال: وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا إذا عاهدتم الله تعالى فأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ثم يقول: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ فهذه عشرة في آيات الأنعام.
أما في آية الأعراف فذكر الله بها خمسة: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ الفواحش: كل شيء يستفحش وهي مذكورة أيضا في آيات الأنعام؛ مثل الزنا ومقدمات الزنا والتبرج والاختلاط الذي يؤدي إلى الفساد، ومثل الكلام الفاحش؛ السباب والفحش والقذف والعيب والهمز واللمز والإثم؛ الإثم: هو كل شيء فيه عقوبة أو فيه إثم. قد ذكر الله تعالى في الخمر أنها فيها إثم: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ؛ في الخمر والميسر؛ فحرم الله الإثم؛ كل شيء يؤثم صاحبه.
الثالث: البغي: الذي هو الاعتداء على الغير بغير حق. الرابع الشرك: مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا الخامس القول على الله بلا علم: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ التخرص على الله تعالى والتقول عليه.
أما آيات (سبحان) يعني: آيات الإسراء؛ فإنها مشتملة على محرمات كثيرة. بدأها الله تعالى بقوله: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ثم قال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا فذكر حقه، ثم ذكر حق الوالدين ثم ذكر حق ذوي القربى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ .
ثم ذكر المنهيات بقوله: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ وبقوله: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ إلى آخر الآيات.
ذكر الله فيها هذه المحرمات وهذه الإرشادات. لا شك أنها كلها داخلة في العبادة؛ تفصيل للعبادة التي أمرنا بها في قوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فالعبادة تتمثل في هذه الأمور، وتمثيل لحق الله تعالى على عباده؛ أن حقه عليهم أن يعبدوه، ومن عبادته أن يتقربوا إليه بفعل ما أمر وبترك ما نهى.
فهذه الآيات وأمثالها كثير في القرآن من الإرشادات والتوجيهات سواء في الآيات المكية أو في الآيات المدنية؛ كلها جاءت لتفصيل ما أمر الله به سواء في العقائد أو في الأعمال.
ولا بد أنه يمر بنا إن شاء الله ما يزيدها وضوحا، وكثير منها ذكره مختصرا؛ وذلك لأن التوسع فيه قد ذكره في مؤلفات له أخرى، وتوسع فيها أيضا بقية العلماء.