لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
الكنز الثمين
92761 مشاهدة
الأدلة على وجوب التوحيد والنهي عن الشرك ووسائله

سادس عشر : الأدلة على وجوب التوحيد والنهي عن الشرك ووسائله كثيرة:
ثم قال الكاتب:
[وليس لديهم أي دليل يدل على صدق دعواهم، غير أنهم لما أنزلوه هذه المنزلة الحقيرة، تشبهوا باليهود في تحريف كلام الله، كل آية أنزلها الله في حق عُبَّاد الأصنام والمشركين طبقوها على المسلمين الموحدين، وأنكروا كل حديث صحيح وافقت عليه الحفاظ، وأجمعت على صحته الأمة، وهذا الموقف المعاند احتقار لشأن الرسول.. إلخ].
جوابه:
أن نقول: إن هذا الكاتب وأضرابه لا يفهمون دلالة الآيات والأحاديث؛ لمَّا تكبروا عن الحق وقبوله، وأُشْربوا الكفر ومحبة الشرك عقوبة عاجلة، قال الله تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ . فلو كانوا يفقهون ويعقلون لكفاهم بعض تلك الأدلة المتقدم بعضها: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ .
والأدلة على ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- أكثر من أن تحصر، كقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا . قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا . وقوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا . وقوله: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وقوله تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ . إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ . وقوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ .

فهل يقال: إن هذه الآيات بطل معناها وأنها مقصورة على مشركي العرب قبل الإسلام؟!
وهل يقال: إن الأنبياء والأولياء يستجيبون لمن دعاهم ويملكون التصرف في الكون، والضر والنفع، والعطاء والمنع، ويعلمون الغيب، ويشفعون بدون إذن الله، ويملكون الشفاعة مع قوله تعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ؟!
هذا والأدلة على وجوب التوحيد والإخلاص، والنهي عن الشرك ووسائله كثيرة، كما في كتاب التوحيد، وشرحه فتح المجيد، وسائر مؤلفات أهل العلم والإخلاص، ودلالتها واضحة ولم يقل أحد من الشراح ولا الرواة أنها خاصة بعُبَّاد الأصنام في الجاهلية قبل هذا الكاتب وأضرابه.
فأما قوله: [وأنكروا كل حديث صحيح .. إلخ].
جوابه: إن الأحاديث المزعومة هي أمثال الحديث الموضوع السابق بلفظ: إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي… إلخ، وقد عرفت أنه كذب لا أصل له، وتقدم حديث: اللهم أسألك بحق السائلين عليك وعرفت أن السائلين هم الذين يدعون الله، وحقهم عليه أن يجيبهم وهو حق تفضل وتكرم.
فنحن نقول لهذا الكاتب: أين تلك الأحاديث التي وافقت عليها الحفاظ، وأجمعت على صحتها الأمة؟ هل هناك حديث في الصحيحين أو في أحدهما؟ أو في كتب السنة صحيح تلقته الأمة بالقبول، يتضمن أن ندعو الرسول - صلى الله عليه وسلم- ونسأله حوائجنا؟ أو نحلف به دون الله؟ أو فيه أنه ... أو غيره من الأنبياء والأولياء يعلمون الغيب؟ أو يتصرفون في الكون؟ أو يملكون الشفاعة بدون إذن الله ونحو ذلك؟!
وأكثر ما يتشبث هؤلاء بحديث الأعمى الذي رد الله عليه بصره بدعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يُنقَل أن أحدا من المكفوفين استعمله بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما فيه دعاء لله أن يتقبل دعاء نبيه وشفاعته في رد بصره.
وهكذا حديث توسل الصحابة بالعباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعلق به هؤلاء ونحن لا ننكر أن نتوسل بالأحياء الصالحين أن يدعوا ربهم ويؤمِّن الناس على دعائهم، فأما التوسل بالأموات: من أنبياء، أو غيرهم، فلم ينقل عن الصحابة، ولا غيرهم.
فبهذا العرض الوجيز يتضح مبالغة هذا الكاتب في أن أئمة الدعوة قد أنكروا كل حديث صحيح يعني في التوسل بالرسول -صلى الله عليه وسلم- أو طلبه الشفاعة بعد موته، أو في وصفه بالملك والتصرف مع الله، فليس هناك أحاديث صحيحة في هذا الموضوع، ولو صحَّت وثبتت لكان لها وجه تُحمَل عليه؛ لئلا تخالف أدلة الشريعة والله أعلم.