إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
الكنز الثمين
92848 مشاهدة
المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا .
أما بعد:
فإن الله -جل ثناؤه وتقدست أسماؤه- اختص من خلقه من أحب، فهداهم للإيمان، كما اختص من سائر المؤمنين من أحب، فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة، وفقههم في الدين، وعلمهم التأويل، وفضلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كل زمان وأوان، رفعهم بالعلم، وزينهم بالحلم، بهم يعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح، فضلهم عظيم، وخطرهم جزيل، ورثة الأنبياء، وقرة عين الأولياء، الحيتان في البحار لهم تستغفر، والملائكة بأجنحتها لهم تضع، والعلماء في القيامة بعد الأنبياء يشفعون، مجالسهم تفيد الحكمة، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة، هم أفضل من العباد، وأعلى درجة من الزهاد.
حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، يذكرون الغافل، ويعلمون الجاهل، لا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف منهم غائلة، بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون، وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون، جميع الخلق إلى علمهم محتاج، والصحيح على من خالف بقولهم محجاج الطاعة لهم من جميع الخلق واجبة، والمعصية لهم محرمة، من أطاعهم رشد، ومن عصاهم عند، ما ورد على أمراء المسلمين من حكم لا علم لهم به فبقولهم يعملون، وعن رأيهم يصدرون، وما أشكل على قضاة المسلمين من حكم فبقول الحكماء يحكمون، وعليه يعولون، فهم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة، هم غيظ الشيطان، بهم تحيا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، إذا انطمست النجوم تحيروا، وإذا أسفر الظلام أبصروا .
لقد ذكر الله تعالى فضل العلماء في آيات كثيرة، فقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ فهم أشد الناس وأكثرهم خشية لله تعالى. وقال تعالى: يَرْفَعُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وهذا بيان بأنهم أرفع الناس منزلة.
وقال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فبين الله -سبحانه وتعالى- أن شهادتهم هي الثالثة بعد شهادته ثم شهادة الملائكة. وهناك آيات كثيرة في فضل العلماء لا يسع المقام لذكرها، وأما الأحاديث فمنها:
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من سلك طريقا يلتمس في علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بمن يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر .
فانظر يا طالبا للحق إلى فضل العلماء، ويكفيهم فضلا أنهم ورثة الأنبياء، فنعم الميراث ميراثهم.
لهذا وذاك فقد شرعت في خدمة أحد علماء الأمة بنشر علمه بين الناس ، عملا بمبدأ: الدال على الخير كفاعله .
عسى الله أن يكتبه في ميزان أعمالنا يوم لقائه، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
وهذا العمل الذي قمت به، ألا وهو جمع فتاوى ورسائل ومحاضرات ودروس فضيلة شيخنا العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين -حفظه الله تعالى- حيث بدأت العمل في اليوم الأول من شهر جمادى الثاني من عام اثني عشر وأربعمائة وألف للهجرة، وذلك بعد موافقة شيخنا حفظه الله تعالى. وقد تم جمع أكثر من عشرة أجزاء من هذا المجموع حتى الآن، والعمل ما زال مستمرا في الجمع والترتيب . أسأل الله أن يتمم هذا المجموع ليستفيد منه كل مسلم، وكل طالب علم.
وقد كنت أعرض كل ما يجمع على فضيلة الشيخ؛ لمراجعته وتصحيحه وأخذ الموافقة على طبعه ونشره.
وبهذه المناسبة فإنني أشكر كل من ساهم بالعمل معي في هذا المشروع الكبير، وأخص بالذكر الأخ الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين -حفظه الله تعالى- والذي كانت له اليد الطولى في موافقة والده على هذا المشروع، أسأل الله تعالى له التوفيق والسداد.
أما عن طريقة الجمع والترتيب، فقد كان ذلك على ثلاث مراحل كما يلي: أولا : جمع الفتاوى، وهي التي تكون على شكل سؤال وجواب، والتي تلقى على فضيلة الشيخ بعد المحاضرات، أو ترسل للشيخ في مكتبه في الرئاسة العامة للإفتاء فيجيب عليها، أو الفتاوى التي طبعت من قبل ضمن بعض الكتب والرسائل. وبعد جمع عدد كبير من هذه الفتاوى، قمت بفرزها ووضع كل فتوى في محلها، وترتيب ذلك على الكتب والأبواب على منوال كتب أهل العلم قدر الإمكان، كما هو معروف عند المصنفين المتقدمين رحمهم الله.
ثانيا : المحاضرات المسجلة والرسائل المطبوعة، فقد تم تفريغ جميع المحاضرات التي حصلت عليها من التسجيلات وغيرها، ثم قمت بإعادة صياغتها بالتعاون مع بعض الأخوة الأفاضل -جزاهم الله خيرا- ومن ثم تم عرضها على فضيلة الشيخ -حفظه الله- لمراجعتها وتصحيحها، وقد انتهى فضيلة الشيخ من تصحيح جميع المحاضرات التي عرضتها عليه، مع كتابة تقديم لكل محاضرة، ومن ثم أخذت الإذن بطبعها ونشرها متفرقة على شكل رسائل مستقلة، وكذلك إدخالها ضمن المجموع.
ثالثا : الدروس والشروح لقد قمت بتفريغ مجموعة من دروس فضيلة الشيخ -حفظه الله- وقد تم تفريغ عدد كبير من هذه الدروس ومن ذلك:
1- الشرح السديد على كتاب التوحيد:
وهي دروس لفضيلة الشيخ في شرح (كتاب التوحيد) لمؤلفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وقد تم تفريغها من الأشرطة، وتهذيبها وتصحيحها، وقد بدأ فضيلة الشيخ بمراجعته وتصحيحه.
2- التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية:
وهي أيضا دروس لفضيلة الشيخ في شرح (العقيدة الواسطية) لمؤلفه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وقد تم تفريغها وتهذيبها وتصحيحها، وقد بدأ فضيلة الشيخ أيضا بمراجعته وتصحيحه.
3- المعاني الجلية على شرح العقيدة الطحاوية:
وهي أيضا دروس لفضيلة الشيخ في شرح كتاب (شرح العقيدة الطحاوية) لمؤلفه الإمام القاضي علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي -رحمه الله- وسيبدأ -بمشيئة الله- فضيلة الشيخ بمراجعة الجزء الأول منه قريبا.
4- خلاصة الكلام لشرح عمدة الأحكام:
وهي أيضا دروس لفضيلة الشيخ في شرح كتاب (عمدة الأحكام) لمؤلفه الإمام الحافظ عبد الغني المقدسي -رحمه الله- وقد بدأ فضيلة الشيخ بمراجعة الجزء الأول منه، وهو في الطهارة.
5- شفاء العليل بشرح منار السبيل:
وهي أيضا دروس لفضيلة الشيخ في شرح كتاب (منار السبيل) لمؤلفه الشيخ إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان، وكتاب منار السبيل هو شرح لكتاب (دليل الطالب لنيل المطالب) لمؤلفه الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي، وقريبا -بمشيئة الله- يبدأ الشيخ بمراجعة وتصحيح الجزء الأول منه وهو في الطهارة .
أعود فأقول: إن مثل هذا المشروع يحتاج إلى جهد كبير، ووقت ليس بالقليل. أسأل الله تعالى أن يوفقني إلى إكمال ما بدأت به، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
في الختام...
أسأل الله تعالى أن يوفق كل من ساعدني، وساهم في إخراج هذا المجموع، وهذه الشروح، وخاصة من قاموا بتفريغ الأشرطة، فجزاهم الله خيرا وأعظم لهم المثوبة. هذا وأسأله تعالى أن ينفعني به في الدنيا والآخرة، وأن يجعله عملا خالصا لوجهه الكريم، إنه سميع مجيب. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


وكتبه
أبو أنـس علي بن حسين أبو لوز
الأربعاء 22 من شوال 1413هـ
الرياض: 11497 - ص.ب: 31271