لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
75539 مشاهدة
تعدد أساليب الدعوة إلى الله تعالى وعظم أجرها

...............................................................................


ثم تكون الدعوة بالأقوال وبالأفعال فإن الداعي يدعو بقوله ويدعو أيضا بفعله, فمثلا إذا جاء إلى حلقة فيها أخلاط من الناس فعرض عليهم فعل خير؛ دعاهم مثلا إلى صدقة وقال: أيها الناس تصدقوا فإن الصدقة فيها ثواب كبير والخير؛ الذي فيها أنها يضاعف أجرها، إذا كان هناك من هم مستحقون، ومن هم على دين قويم؛ فيقبلون دعوته ويتصدقون على هؤلاء المستقيمين الذي هم على دين قويم فيأجره الله مثل صدقتهم، مع أنه ما دفع ولو درهما، وإنما رغبهم في الصدقة فتصدقوا.
كذلك إذا جاء إليهم ورغبهم في الجهاد جهاد الكفار، وبين لهم فضله فاستجابوا له، وخرجوا للجهاد وقاتلوا في سبيل الله فقتلوا وقتلوا، كان لهم أجر على جهادهم وله أيضا مثل أجورهم.
وهكذا أيضا إذا كانوا متساهلين في عبادة من عبادة الله؛ كالصلاة أو أدائها جماعة فرغبهم وقال لهم: إني لا أراكم تصلون في المساجد لا أتهمكم بأنكم تتركونها، ولكن إذا لم يكن بكم بأس ولا ضرر فلا يجوز لكم أن تصلوا في مساكنكم، أو أن تؤخروا الصلاة عن وقتها فاستجابوا وقبلوا وتابوا وأنابوا، وواظبوا على الصلاة وحافظوا على الجماعة بسبب دعوته، كان لهم الأجر الكبير، وكان له مثل أجورهم من غير أن ينقص الله من أجورهم شيئا.
وهكذا إذا كانوا، علماء فدعوا إلى العلم؛ دعوا الجهلة إلى أن يتعلموا كان لهؤلاء الدعاة إلى التعلم وإلى التعليم، كان لهم مثل أجور من تعلم ثم عمل على بصيرة.
وهكذا أيضا إذا دعا إلى ترك محرمات فهدى الله تعالى بسببه كان له أجر كبير؛ مثل أجورهم في ترك تلك المعاصي؛ وذلك لأن ترك المعاصي يعتبر عمل بر، وفيه أجر وفيه ثواب، فلمن تركه مع توفر الدواعي أجر، ولمن دعا إلى تركه أجر أيضا أجر التوبة، والتوبة النصوح أجرها عظيم، وكذلك أجر مدافعة النفس وغلبتها، فإن في ذلك أجر عظيم.
فالإنسان مثلا إذا رأى أحد إخوانه يستمع الغناء والملاهي ويكب عليها، ويقول: إن نفسي تهواها وتشتهيها وتميل إليها، ولا أتحمل الصبر فدعاه حتى تركها، وعصى نفسه الأمارة بالسوء وتغلب على نفسه، أليس له في ذلك أجر؟ هذا التائب الذي عصى نفسه وعصى هواه؟ له أجر ويثيبه الله تعالى، فكذلك الذي دعاه إلى هذه التوبة له مثل هذا الأجر.
وهكذا إذا كان هناك إنسان يتعاطى شرب الخمور والمسكرات والدخان، وما أشبه ذلك، ويزعم أن نفسه تميل إلى ذلك، وأنه يحب ذلك وأنها شهوة لذيذة، وأنها شراب جيد ومحبوب إلى النفس فدعاه، وقال: اعصِ نفسك الأمارة بالسوء، وتب إلى الله تعالى وأنب إليه حتى يثيبك الله، فتاب ذلك العاصي بهذه الخمور أو بهذا الزنا أو بهذه المسكرات، أو ما أشبه ذلك، وعصى نفسه وكسرها فإن الله تعالى يأجره على عصيان نفسه فله أجر على هذا العصيان، وكذلك أيضا لمن هداه الله على يديه مثل ذلك الأجر.
لا شك على أن هذا دليل على فضل الدعوة إلى الله تعالى، والترغيب في فعل الخير، والترهيب من فعل الشر، ومن فعل المنكرات وما أشبهها.
بضد ذلك الذين يدعون إلى الشر عليهم مثل أوزار من تبعهم؛ ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما قتل أحد مظلوما إلا كان على ابن آدم الأول مثل ذنبه لأنه أول من سن القتل يعني أول من سن القتل أحد ابني آدم الذي قتل أخاه هابيل فعليه إثم القتل، فكل من قتل مظلوما فعلى ابن آدم الأول كفل من دمه؛ لأنه أول من سن القتل. كذلك أيضا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي دعا إلى الشرك، وغير دين إبراهيم وهو عمرو بن لحي الخزاعي كان أول من غير دين إبراهيم ودعا إلى الشرك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار لأنه أول من سيب السوائب وغير دين إسماعيل فهكذا جاء هذا الحديث أن من دعا إلى ضلالة كان عليه مثل أوزار من تبعه من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئا لا شك أن هذا يدل على عظم هذا الخطر خطر الدعوة إلى الضلال، يعم ذلك من دعا بقوله ومن دعا بفعله.