اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
75510 مشاهدة
خلق الله للأسباب

...............................................................................


والله تعالى مسبب الأسباب هو الذي خلق الأسباب وجعلها مؤثرة؛ من أدلة ذلك قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ لا شك أن الإنسان ينسب إليه، أنه هو الذي تزوج بفلانة، وأنه هو الذي أحبلها، وأنها ولدت منه، وأن هذا الولد وهذه الأولاد أنهم ينسبون إليه، ولكن ليس هو الذي خلقهم، الله هو الذي قدر إيجادهم، هو الذي خلقهم وقدر خلقهم، ليس بقوة الإنسان ولا بقدرته، ولا بتمكنه، بل بإيجاد الله تعالى، فلو شاء لجعلهم كلهم إناثا أو لأخرجهم كلهم أمواتا أو نحو ذلك، فليس للإنسان تمكن في أن يخلق أولاده، ولو كان ذلك إليه لجعلهم ذكورا، ولسوى خلقهم وجعلهم في أحسن خلق أو نحو ذلك.
كذلك قول الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ أخبر الله تعالى بأنهم يحرثون أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ولكن الله تعالى هو الذي مكنهم، أولا أعطاهم القوة التي يتمكنون بها من هذه الأفعال، يتمكنون بها من حرث الأرض، لو شاء لشل حركاتهم، ولو شاء لجعل الأرض صماء لا تنبت أو صخرية، أو نحو ذلك، فلما جعل لهم هذه القوة يحرثون بها بأيديهم أو بما يصنعونه من الماكينات ونحوها، كان ذلك من الله وتوفيقه؛ فلذلك نسب الفعل أولا إليهم: مَا تَحْرُثُونَ ثُمَّ قَالَ: أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ أأنتم تحرثونه تبذرونه بالأرض وتسقونه، والله تعالى هو الذي يسر أسبابه، فهو الذي أوجد لكم هذا الماء الذي تسقون منه، ولو شاء لجعله ملحا أجاجا لا ينبت، ولو شاء لأغاره وأعدمه، كما في قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ .
وأخبر الله تعالى عن صاحب تلك الجنة البستان الذي ذكر في سورة الكهف، في قوله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا فكذلك يقول: لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ أي ظللتم تتأسفون على فعلكم، وتقولون: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ فالفعل من الله تعالى، وإن كان للإنسان حركة وله إرادة وله فعل ينسب إليه؛ فلذلك نقول: إن على الإنسان أن يعمل بما أقدره الله عليه؛ فيعترف بأن الله هو الذي أعطاه العقل وهو الذي أعطاه القوة، وهو الذي أعطاه السمع والبصر، وهو الذي أقامه على قدميه، وهو الذي أعد يديه وجعل فيهما هذه القوة، وهو الذي بسط هذه الأرض وسخرها، وهو الذي جعلها قابلة للنبات، وهو الذي جعل فيها هذا الماء الذي تروى به وتسقى به، وهو الذي أيضا جعلها منبتة قابلة للنبات.
مع أنه تعالى فاوت بين الأرض؛ فأنت ترى قطعة من الأرض سبخة لا تنبت ولا تمسك الماء، وترى قطعة أخرى صخرية لا تقبل الماء ولا تنبت، وتجد أرضا أخرى رملية وأخرى ترابية وأخرى جبلية، وكل ذلك بخلق الله تعالى؛ فيعترف الإنسان بأن كل ما في الوجود، فإنه خلقه وتكوينه وكان بقضائه وبقدره.