لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
75540 مشاهدة
لا يكون في الوجود إلا ما يريد الله عز وجل

...............................................................................


وبعد ذلك ما يكون في الوجود إلا ما يريد, كل ما في الوجود من حركات وسكنات كل ما في الوجود من حيوانات ودواب وطيور ووحوش ونحو ذلك, الله تعالى هو الذي خلقها، وكل ما يحصل من حركات وسكنات، الله هو الذي خلقها وشاءها، وهو الذي أوجدها، وهو الذي علمها ثم كتبها، ثم شاءها ثم خلقها، كما شاء هذا معنى كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس يعني كل شيء مقدر.
قال الله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا أي جعل له مقدارا فقدر الأعمار، علم عمر هذا الإنسان طويلا أو قصيرا، قدر الأعمار وقدر الآجال، وقدر الحوادث والأعمال كلها، وجعل لها مقادير، قال الله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا .
وقال تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ فيؤمن المسلم أولا بالعلم، وثانيا بالكتابة، وثالثا بالمشيئة والإرادة، ورابعا بالخلق والإيجاد لجميع الموجودات، ويؤمن بأن الله تعالى علم أو قدر القدر العام الذي كتبه في اللوح المحفوظ، ويؤمن أيضا بأن كل إنسان فله كتابة خاصة، إذا استقرت النطفة في الرحم طورها الله تعالى نطفة ثم علقة ثم مضغة، فإذا كانت مضغة فإن الله يرسل إليها الملك ينفخ الروح فيها، ثم يأمر الملك فيكتب إذا قدر الله أنها مخلقة؛ أنها تعيش وتخلق فيكتب الملك: رزقه وأجله وعمله وهل هو شقي أم سعيد، مع أن ذلك كله موجود ومكتوب، وهو قبل أن يخلق، وقبل أن تخلق السماوات والأرض، ولكن هذه كتابة خاصة لكل إنسان قدر الله وجوده.
وكذلك أيضا ذكر في ليلة القدر التي في رمضان أنها سميت بالقدر؛ لأن الله يقدر فيها ما يكون في ذلك الزمان إلى مثله؛ بمعنى أنه يكتبه الملائكة في صحفهم فلا يتقدم شيء ولا يتأخر فيكون هذا تقديرا سنويا.
وأما قول الله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فالمراد هو إيجاد الموجودات التي قدر الله وجودها كل يوم، وإذا آمن العبد بأن كل شيء مقدر، فإنه لا يجوز أن يعتمد على القدر السابق ويترك العمل.
ولأجل ذلك لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من الجنة والنار. فقالوا: ألا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له هكذا أخبر بأن كل إنسان ميسر لما خلق له, ثم معناه: أنه يعينه الله تعالى ويوفقه أو يخذله ويهينه، فإذا أعانه الله تعالى عمل بالطاعة، وإذا خذله عمل بالمعصية.