إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
75544 مشاهدة
التنقص من المسلمين يؤدي إلى النفرة والتقاطع بينهم

...............................................................................


وما ذاك إلا أن هذه الأمور تسبب النفرة بين المسلمين، فإذا قيل لك: إن فلانا يقدح في عدالتك ويتنقصك ويعيبك بسوء الخلق، ويعيبك بالشراسة وبالجفاء وبغلظ الطبع، ويقدح فيك بأنك لا تقبل شهادتك، ولست أهلا لأن تصطفى وتختار، ولا أن تعمل عملا موثوقا به، ويقول: إنك من الخائنين وإنك من الكذبة، وإنك من الفسقة؛ يرميك بأشياء أنت بريء منها، أو فيك بعض الأشياء ولكنه يزيد ويضاعف ما فيك، ويسبك سبا ينقص به قدرك عند فلان وفلان.
في هذه الحال لا شك أنك تسبه، وتلتمس عثراته، وتقدح فيه كما قدح فيك، وتتبع صفاته، وتنظر في ما فيه من العيوب فتفشيها عادة، وتقول: أنتقم منه كما أنه عمل معي وتستدل بقوله: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا وبقول الله: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ فهذا لا شك أنه يسبب النفرة والتقاطع بين المسلمين، ووقوع العداوة والبغضاء التي تسبب أن كل منهم يستبد برأيه، وأنه ينفرد بعمله فلا يحصل تعاون بين المسلمين، ولا يحصل مساعدة على الخير، ولا يحصل أمر بالخير ودعوة إليه، بل كل يقول: عليكم بفلان أنا لست مسئولا، وإذا جاءك من يطلب منك أن تأمره وتنهاه تعتذر، وتقول: إنه يبغضني وأنا أبغضه إنه قد سب فلانا وفلانا، وما أشبه ذلك.
لا شك أن هذا أثر من آثار إطلاق الألسن في القذف والعيب في المسلمين، ولذلك ورد في الحديث: يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المؤمنين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع عورته يفضحه ولو في جوف بيته هذا لا شك أنه أثر من آثار هذا السباب، لا يكون السباب له أصحاب وله رفقاء، بل كل يبغضه ويمقته؛ فيسبب عداوة ومقاطعة بين المسلمين، ولذلك ورد التحذير من ذلك ورد قوله -صلى الله عليه وسلم- ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء .