يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
51778 مشاهدة
النية تفرق بين العادات والعبادات

...............................................................................


والحديث إنما جاء بها كمثال، وإلا فالأعمال كثيرة، فلذلك توسع العلماء في شرح هذا الحديث في قوله: إنما الأعمال بالنيات وقالوا: إن النية الصالحة يكون فيها أجر أكثر من النية غير الصالحة، وأن الإنسان يثاب على عمله إذا نوى به القربة إلى الله تعالى، وإن النية هي التي تعتبر بها الأعمال فيكون قوله: إنما الأعمال بالنيات يعني صلاح الأعمال أو فسادها يكون معتبرًا بالنية ، وكذلك أيضًا التمييز بين العادات والعبادات إنما يكون بالنية؛ وذلك لأن هناك أعمال صالحة لا بد فيها من النية.
تذكرون أن الصلاة من شروطها النية، والطهارة من شروطها النية، والصيام لا بد فيه من النية، وكذلك الطواف والسعي والإحرام وسائر العبادات لا بد فيها من النية، فمثلًا لو أن إنسانًا عليه حدث أصغر وقام من النوم وغسل يديه، وغسل وجهه، ونظف فمه وأنفه ليكون بذلك نشيطًا، وغسل أعضاءه كيديه ورجليه وقال: أريد النشاط، وأريد أن يذهب عني الكسل والتثاقل، هل يرتفع حدثه؟ هل يصلي بهذا الغسل؟ لا يصلي به؛ لأنه ما نوى أن هذا رفع للحدث، وإنما نوى رفعًا للكسل، أو رفعًا للعجز والنعاس أو ما أشبه ذلك.
فالوضوء لا بد له من النية، وكذلك لو كنت مثلًا محدثًا وقد نسيت حدثك وجاء إنسان وقال: علمني الوضوء. فأخذت تقول: اغترف الماء وقل هكذا، غسلت وجهك، ثم اغترف واغسل يدك، ثم اغترف واغسل يدك، ثم امسح برأسك هكذا، ثم اغسل قدميك تريد أن تعلمه، فمثل هذا لا يرفع حدثك؛ لأنك تريد تعليمه، لا تريد رفع الحدث عن نفسك.
وهكذا مثلًا لو جاء إنسان جاهل بالصلاة وأخذت تعلمه، فقلت مثلًا: استقبل القبلة هكذا وكبر قل: الله أكبر، ثم أخذت تصف له الصلاة من أولها إلى آخرها، فمثل هذا أيضًا لا تجزئك صلاتك عن فريضة عليك، وإنما فعلت ذلك لتعليم غيرك، فلا يكون بذلك هذا الفعل عبادة إنما قصدت بذلك التعليم.
قالوا ثم إن النية هي التي تفرق بين العادات والعبادات، العادات التي يفعلها الإنسان بحكم العادة، والعبادات التي يحتسب بها الأجر عند الله تعالى، فمثل هذا لا بد فيه من النية، فمثلًا إنسان يترك الطعام عادة من باب الحمية، أو أن الأكل يشق عليه أو يثقله، يترك الأكل نهاره كله من صباحه إلى مسائه، هل يكون له أجر الصائم؟ ليس له؛ لأنه ما تركه إلا حمية مثلاً، ما تركه لأجل أجر الصيام؛ فلا يكون والحال هذه صائمًا، ولا يجزيه تركه عن صيام كان عليه مثلًا، بخلاف ما إذا تركه لأجل النية لنية الصيام؛ ولذلك جاء في الحديث: من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له يعني الفريضة لا بد أنه ينويها من الليل.