إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
51790 مشاهدة
لا تنقطع الهجرة

...............................................................................


فهذا دائم وباقٍ قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها يعني أن الإنسان إذا كان في بلدة أو دولة لا يتمكن فيها من الصلاة مثلًا في المسجد، أو لا يتمكن من الجهر بالآذان، أو لا يتمكن من قراءة القرآن، أو من ذكر الله تعالى، أو لا يتمكن من حجب نسائه وتسترهن، أو كذلك لا يتمكن من ترك المنكرات؛ يعني لا يقدر مثلًا أن يعفي لحيته، أو لا يقدر على أن يلبس اللباس العادي للمسلمين كالعمائم وما أشبهها إذا فعل ذلك فإنه يعذب ويؤذى ويتهم ويلحقه ضرر، ففي هذه الحال عليه أن يتحول إلى بلدة يأمن فيها على نفسه وعلى دينه وعلى محارمه، حتى يثيبه الله تعالى على عبادته، حتى يعبد الله على بصيرة، وحتى لا يتضرر ويلحقه أذى في ذات الله تعالى.
فهكذا جاءت السنة بالأمر بالهجرة والتحول منها، لكن لما انتشر الإسلام وظهر في مكة وفي غيرها من البلاد لم يكن هناك حاجة إلى الهجرة؛ فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية أي بعد فتح مكة أصبحت مكة يهاجر إليها ولا يهاجر منها لأنها بلد إسلام لما فتحها الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم.
وكذلك في حديث آخر: أن رجلًا جاء بأخيه وقال: بايعه على الهجرة. فقال: ذهبت الهجرة لأهلها يعني حظي بها أهلها الأولون ثم قال: هل تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. قال: فاعبد الله من وراء البحار يعني أنه إذا كان متمكنًا وعارفًا فإنه يعبد الله في أي بقعة كانت ولو كان وراء البحار، إذا قدر على إظهار دينه وعبادة ربه في أية بلدة فلا حاجة إلى أن يهاجر إلى المدينة وقال: مضت الهجرة لأهلها يعني لأهلها الأولين الذين حازوا قصب السبق أولئك هم المهاجرون الأولون الذين وفقهم الله تعالى وسددهم وأعانهم على الإسلام في حالة القلة والضعف فصبروا وصابروا، وانتقلوا من بلادهم وتركوها لله تعالى، فأما بعد أن صارت البلاد بلاد إسلام فإن الإنسان يتمكن من عبادة الله تعالى في كل الحالات وفي كل الأماكن.