اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
52778 مشاهدة
الشيخ عدي بن مسافر من معتدلة المتصوفة

...............................................................................


ثم إن شيخ الإسلام ذَكَّر أتباع عدي - الشيخ عدي بن مسافر - ذكرهم بحالتهم يقول: منَّ الله عليكم أيها الأتباع بما فضلكم به على كثير من المنحرفة والمتصوفة ونحوهم. وما ذكره من الأمور التي ذكَّرهم به. هذه من قبيل الكرامات. قد يوجد فيه شيء من الأمور التي تستغرب، ولكنها تعتبر كرامات من كرامات الأولياء، ولا تصل إلى شطحات المتصوفة.
إن للمتصوفة -أو غلاة المتصوفة- زلات كثيرة؛ يطلقون عليها شطحات، وينكرونها عليهم، ولكنهم لا يكفرون إلا من غالى فيهم؛ فإن الغلو الذي فيه كثير من المتصوفة أخرجهم إلى الكفر وإلى الإلحاد؛ كما ذكروا ذلك عن أبي اليزيد البسطامي وعن الحسين الحلاج ثم عمن سار على نهجهم في تلك الكلمات النابية؛ مثل ابن عربي الاتحادي، وابن سبعين وابن الفارض هؤلاء شطحاتهم أوصلتهم إلى عقيدة بشعة أطلق عليها الحلول، وهو اعتقادهم أن الخالق والمخلوق واحد.
وأما معتدلوهم -معتدلو التصوف- من المتقدمين؛ مثل بشر الحافي والحارث المحاسبي الجنيد بن محمد الفضيل بن عياض إبراهيم الخواص وأشباههم من أهل الاعتدال. أما الشيخ عدي وكذلك شيخه القرشي الهكاري ؛ هذان ولو كانا على طريقة الصوفية، ولكن تصوفهم؛ ولو كانوا متأخرين تصوف معتدل.
وذلك لأن الصوفية القدامى ليس تصوفهم تصوف عقيدة، ولكنه تصوف زهادة؛ زهد، تقشف، تقلل من الدنيا، انقطاع من اللذات والشهوات وقريب من الرهبنة، والانقطاع الكلي في كثير منهم.
ولكن فعلهم هذا؛ الذي هو الزهد من الدنيا والزهد في ملذاتها قد أنكره كثير من أهل زمانهم، وقالوا: إن الله تعالى أباح زينة الدنيا قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ؛ أي: من حرمها؟ ليست حراما، ولكن كأنهم يقولون: إن هذه الشهوات قد تشغل وقد تلهي، وقد يكون فيها شيء مما يقسي القلب، ويثقل الطاعات على القلب وعلى البدن، ويخفف المعاصي ويدعو إلى اللهو وإلى التساهل في العبادة؛ هكذا رأوا، ولكنهم في باب العقيدة على الكتاب والسنة. وإذا وجد من بعضهم شطحات كثيرة فإنها تغتفر. ويكون الحامل عليه هو جهله ببعض الأدلة.