إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
52784 مشاهدة
مثال لوسطية الأمة بين اليهود والنصارى

...............................................................................


ذكر أن أهل السنة وسط في فرق الأمة؛ كما أن الأمة وسط في الأمم السابقة، وأراد بذلك حث الأمة على أن يثبتوا على هذه الوسطية؛ لا غلو ولا جفاء، فإنا سمعنا أن اليهود صاروا ينكرون شرع الله ولا يقبلون إلا ما بأيديهم، وكثيرا ما يردون كثيرا مما بأيديهم؛ فأنكروا صرف القبلة وقالوا: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا فلا يؤمنون إلا بما في كتابهم، فمثل هؤلاء تحجروا واسعا، واقتصروا في زعمهم على ما بأيديهم مع أنهم لا يعملون بكثير منه؛ فذكر الله أنهم يردون كثيرا منه في قوله: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فهذا طرف من الأطراف.
أما الطرف الثاني فهم النصارى الذين توسعوا في التحليل والتحريم، وجعلوا أئمتهم وعلماءهم وعبادهم يشرِّعون لهم ويأخذون ما شرعوه. أنكر الله ذلك عليهم بقوله: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ اتخذوهم أربابا.
سمعنا أن عدي بن حاتم لما وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد تنصر في الجاهلية مع أنه من العرب فقال: يا رسول الله: إنهم لم يعبدوهم كيف تقول: اتخذوهم أربابا. إنهم لم يعبدوهم وفي رواية: لسنا نعبدهم. ففسر له النبي صلى الله عليه وسلم عبادتهم بأنهم يحلون لهم الحرام، ويحرمون لهم الحلال قال: أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: بلى أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى. قال: فتلك عبادتهم بمعنى أنهم أطاعوهم في تغيير شرع الله؛ فصاروا في طرفي نقيض، هؤلاء تحجروا فلا يقبلون إلا بعض ما جاء في كتبهم، وهؤلاء توسعوا فصاروا يحلون ويحرمون ويغيرون شرع الله.
وتوسطت هذه الأمة واقتصرت على شرع الله؛ فلا يغيرون من شرع الله شيئا، ولا يردون منه شيئا. لا يردون منه مع ثبوته بل يقبلونه، ولا يزيدون عليه ويغيرونه عن وضعه بل يعملون به، هذا توسطهم في هذا الأمر.