إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
فوائد من شرح منار السبيل الجزء الأول
19518 مشاهدة
باب صلاة الجماعة

203\118 قال في المتن: [ تجب على الرجال الأحرار... ] .


قال شيخنا -أثابه الله تعالى- وسبب إسقاط الجماعة عن العبيد عند الفقهاء، أن العبد مشغول بمال سيده، وحقوق الآدميين مبنية على المشاحة، وحقوق الله -تعالى- مبنية على التسامح. وهناك قول آخر: إنها لا تسقط عن العبيد؛ لعموم حديث: من سمع النداء ... الحديث. ويؤجل خدمة سيده إلى أن تنقضي الصلاة، واستثنوا من خدمة سيده الصلاة ورواتبها؛ لأنها حق الله وهو مقدم، ولعل هذا القول وهو عدم السقوط -أي سقوط الجماعة- عن العبد هو الراجح.
وهناك قول آخر وينسب إلى الشافعية، وهو عدم الوجوب، ولا أظنه يصح عنهم، وهو ضعيف، والذي قررناه وجوب صلاة الجماعة.
* * * 204\118 قال في المتن: [ حضرا وسفرا... ] .

قال الشيخ -أثابه الله تعالى- أما حديث الرجلين اللذين قال لهما -صلى الله عليه وسلم- لِمَ لَمْ تصليا؟ فقالا: صلينا في رحالنا فليس فيه دليل أنهما لم يصليا جماعة، وأيضا فإنهم يختلفون كباقي المسافرين عن غيرهم لأن المسافرين يخشون على رحالهم من السرقة والنهب.
* * * 205\118 قال في المتن: [ تجب على الرجال الأحرار القادرين... ] .

قال شيخنا -أثابه الله تعالى- أخرج العاجز كالمريض، فقد رفع الله عنه الحرج في الجهاد، وضابط العاجز أن يكون المرض يمنعه من الحضور، أما إذا كان المرض خفيفا فالحضور أولى.
أما حديث: فلا صلاة له إلا من عذر قال من يقول بعدم وجوب الجماعة، أنه لا صلاة له كاملة، فهذا لا حجة فيه؛ لأنه لا يسلم من العقوبة، ولو صحت صلاته أو أجزأت.
* * * 207\199 في المتن: [ وأقلها إمام، ومأموم ولو أنثى ] .

ثم قال في الشرح: [لحديث أبي موسى مرفوعا: الاثنان فما فوقهما جماعة رواه ابن ماجه ].
قال شيخنا -أثابه الله تعالى- وقد أورده البخاري بابًا لأنه ليس على شرطه.
* * * 207\119 قال في المتن: [ وتسن الجماعة في المسجد ] .

قال شيخنا -أثابه الله تعالى- ومفهوم هذه الكلمة أنه تصح في البيت جماعة، وإنما الذهاب إلى المسجد سنة. وهذا القول ذهب إليه بعض الفقهاء جمعا بين الأحاديث، والصحيح أنها واجبة في المسجد، ولا تصح في البيت إلا بعذر؛ وذلك لأن المساجد شعائر البلاد الإسلامية، ولو صلى كل جماعة في بيتهم، لتعطلت المساجد، ولزالت هذه الشعيرة العظيمة، وأيضا قول المؤذن: حي على الصلاة. أي: هلموا. فإذا لم يأتوا لم يجيبوا المؤذن، وهذا لا يجوز، وأيضا فلم يرخص النبي -صلى الله عليه وسلم- للأعمى.
* * * 208\119 قال في المتن: [ وللنساء منفردات عن الرجل ] .

ثم قال في الشرح: [لفعل عائشة وأم سلمة ذكره الدارقطني وأمر -صلى الله عليه وسلم- أم ورقة أن تؤم أهل دارها رواه أبو داود والدارقطني ] .
قال شيخنا -أثابه الله تعالى- وفي رواية: تؤم نساء أهل دارها .
* * * 209\119 قال في المتن: [ وحرم أن يؤم بمسجد له إمام راتب، فلا تصح إلا مع إذنه إن كره ذلك ] .

قال شيخنا -أثابه الله تعالى- ولو صلى بدون إذن الإمام، فللإمام الحق أن يعيد الصلاة، وإن تركهم فهو الأولى.
* * * 210\119 قال في المتن: [ ومن كبر قبل تسليمة الإمام الأولى أدرك الجماعة ] .

قال شيخنا -أثابه الله تعالى- وذهب آخرون إلى أنه لا يدرك الجماعة، إلا إذا أدرك جزءا يعتد به إذا قام للقضاء، وذهب إلى هذا شيخ الإسلام.
* * * 211\119 قال في المتن: [ وإذا أقيمت الصلاة التي يريد أن يصلي مع إمامها لم تنعقد نافلته ] .

ثم ذكر في الشرح لحديث: [ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة رواه الجماعة إلا البخاري ].
قال شيخنا -أثابه الله تعالى- وخالف في ذلك الحنفية، واستدلوا بأثر عن عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي النافلة إذا أقيمت الفريضة، ولكن هذا خلاف السنة، وقد جاء: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا يكبر للنافلة وقد أخذ بلال في الإقامة، فقال -صلى الله عليه وسلم- آلصبحَ أربعًا ... وفي رواية أخرى: أي صلاتيك اعتددت .
* * * 212\120 قال في المتن: [ وإن أقيمت وهو فيها، أتمها خفيفة ] .

قال شيخنا -أثابه الله تعالى- لأنه أتى بجزء منها في وقت شرع له فيه بأن يؤديها.
وأما الحديث: إذا أقيمت الصلاة ... الحديث، فالمراد أنه لا يستأنف النافلة بعد الإقامة، ولم يدل أنه يقطعها بعد الشروع فيها؛ لأن الحديث لم يقل: فلا جزء من صلاة إلا المكتوبة، ولكن نرى أنه إذا أتى بركعة كاملة فإنه يتمها خفيفة، ولكن إن خشي أن يفوته ركعة مع إمامه، فله أن يقطعها ليدرك الصلاة والركعة الأولى، أما إذا فاته شيء من القراءة، فهذا يمكنه أن يتداركه.
* * * فائدة:
وبعض الأحناف يستدل على جواز النافلة للفجر بعد إقامة الفريضة للحديث: إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة إلا سنة الفجر قال شيخنا -أثابه الله- وهذه الزيادة شاذة؛ لمخالفتها الأحاديث الصحيحة. وقال شيخنا -أثابه الله- أيضا إن ابن القيم تكلم على مخالفة الأحناف للنصوص الصريحة، وذكر هذا في إعلام الموقعين.
* * * 213\120 قال في المتن: [ ويتحمل الإمام عن المأموم القراءة ] .

قال شيخنا -أثابه الله تعالى- وهي منظومة في حاشية العنقري لكن في الحاشية ذكر ثمانية أشياء، وهنا ستة.
* * * 214\120 قال في المتن: [ ويتحمل الإمام عن المأموم القراءة ] .

قال شيخنا -أثابه الله تعالى- وهذه مسألة فيها خلاف، وألّف البخاري منها جزء القراءة خلف الإمام، والبخاري -رحمه الله تعالى- يرى القراءة خلف الإمام، واستدل بحديث عبادة لا صلاة لمن لم يقرأ... واستدل أيضا بحديث أبي هريرة المذكور في الكتاب.
واستدل أيضا ببقية حديث أبي هريرة اقرأ بها في نفسك يا فارسي وكذلك حديث: قسمت الصلاة ... .
أما الجمهور فقالوا بخلاف هذا القول، وقد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (مجلد 22)، لكنها مخرومة.
أما قول أبي هريرة اقرأ بها في نفسك. فقالوا: إنه ليس بمرفوع. وقالوا أيضا: إن هذه الأحاديث في حق من لم يسمع إمامه. وقالوا: إن سمع المأموم الفاتحة من إمامه ثم أمن، كفى هذا عن القراءة. وقد ورد أن موسى لما دعا: رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ أمّن هارون على دعائه، فأجاب الله دعائه، فقال: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا مع أن هارون لم يدع، ولكن تأمينه كفى عن دعائه. وهذا توجيههم لما سبق.
وبعض مشايخنا يرجح قول البخاري ويقول: إذا فرغ الإمام من القراءة، قطع المأموم القراءة، وهو قول الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- أما الشيخ ابن باز -حفظه الله تعالى- فيرى أن المأموم يكمل القراءة.
* * * 215\121 قال في المتن: [ والسترة ] .

قال شيخنا -أثابه الله تعالى- أما الأحاديث التي استدل بها من قال بوجوب السترة فليست صريحة في الدلالة على وجوبها.
* * * 216\121 قال في المتن: [ ... وبعدها، وبعد فراغ القراءة ] .

قال شيخنا -أثابه الله تعالى- واختلف في تعيين السكتتين:
أما الأولى فهي قبل الفاتحة بلا خلاف؛ لحديث أبي هريرة الثانية قيل: إنها بعد الفاتحة. وقيل: بعد فراغه من القراءة كلها.
وقد ورد أنه يسكت ثلاث سكتات، أما السكتة التي بعد الفاتحة، فأنكرها بعض الأئمة: كابن القيم في كتاب الصلاة، وفي زاد المَعَاد، وقال: لو أنها كانت موجودة لما تركت، وما خفيت على سمرة ولا عمران بن حصين وقال: لأنها سكتة قبلها قراءة وبعدها قراءة، فهذه وجهة ابن القيم في إنكارها، لكنها ذكرت في سنن الترمذي وأبي داود .
ففي الترمذي : التصريح بأنها بعد: وَلَا الضَّالِّينَ لكن لم يذكر إلا سكتتين: سكتة إذا كبر، وسكتة بعد الفراغ من القراءة كلها. ثم قال: وإذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ .
وأما في سنن أبي داود فصرح أنها بعد الفاتحة.
أما قول الفقهاء أنه يسكت سكتة طويلة بعد الفاتحة، فالظاهر أنه لم يثبت.
* * * 217\122 قال في المتن: [ ومن أحرم مع إمامه، أو قبل إتمامه لتكبيرة الإحرام، لم تنعقد صلاته ] .

قال شيخنا -أثابه الله تعالى- للمأموم مع إمامه أربع حالات:
1- المسابقة.
2- الموافقة.
3- المتابعة.
4- المخالفة (التأخر).
الحالة الأولى: تبطل صلاته؛ لأنه لم يأتم بصلاته.
الحالة الثانية: تكره. مثلما إذا وقع التكبير من الإمام والمأموم سواء.
الحالة الثالثة: هي المطلوبة ودليلها: إذا كبر الإمام ... الحديث. مثالها: إذا كبر الإمام للإحرام وانتهى من التكبير، فإن المأموم يفعل بعده مثل ذلك.
الحالة الرابعة: يختلف الحكم فيها كون المأموم يتأخر عن إمامه، تارة لعذر كعجلة الإمام، وتارة لغير عذر، قال بعض العلماء: متى سبقه الإمام بركنين فإنه لا يعد متابعا، وتبطل صلاته. مثاله: لو أحرم مع الإمام ثم ظل قائما حتى سجد الإمام
* * * 218\122 قال في المتن: [ والأولى للمأموم أن يشرع في أفعال الصلاة بعد إمامه ] .

قال شيخنا -أثابه الله تعالى- قال بعض الصحابة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستوي قائما ونحن سجود.
* * * 219\122 قال في الشرح: [لحديث: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا ].
قال شيخنا -أثابه الله تعالى- الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- شرح هذا الحديث في الرسالة السنية، وأبطل الصلاة للمأموم بالمسابقة، وذكر أثرين عن ابن مسعود وابن عمر ؛ لأنهما أمرا الذي سابق أن يعيد صلاته، واستدل أحمد أيضا بالوعيد الذي ورد في المسابقة، والحديث عن أبي هريرة مرفوعا: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام، أن يحول الله رأسه رأس حمار متفق عليه.
وقال: الوعيد لا يأتي إلا على محرم. وفي آخر الرسالة ورد عليه سؤال: وهو أن المسابقة خاصة للمتعمد دون الساهي، ولكن أحمد لا يرى التفريق.
* * * قال الشيخ -أثابه الله تعالى-
220\122 مسألة:
وإذا سابق المأموم في ركعة واحدة فإنها تبطل -أي الركعة- دون غيرها بخلاف ما إذا سابق في تكبيرة الإحرام، فإن الصلاة باطلة بكليتها.
* * * 221\122 مسألة:
لو سجد الإمام للتلاوة والمأموم لم يسجد ؛ لأنه لا يراها واجبة ولم تثبت عنده؟
فأجاب شيخنا -أثابه الله تعالى- من اقتدى بإمام، فإنه يتابعه في كل ما يراه ذلك الإمام، إذا كان مقتديا بأحد الأئمة.
ومثال آخر: إذا صليت خلف شافعي، ثم قنت الشافعي، فإن المأموم يتابعه في القنوت، فإذا لم يتابعه المأموم فقد ترك جزءا من الصلاة، فتبطل صلاته.
فائدة:
قيل للشافعي هل توافق على من صلى خلف من يقلد مالك ؟ فاستنكر أشد الاستنكار. وقال: ما لي لا أصلي خلف مالك ؟! لأنه شيخه.
* * * 222\123 قال في المتن: [ ويسن للإمام التخفيف مع الإتمام ] .

قال شيخنا -أثابه الله تعالى- الناس في هذا طرفان ووسط:
أحدهم: أخذ بالتخفيف مطلقا، وبعضهم لم يعمل به وقال: التخفيف أمر نسبي. والذين أخذوا بالوسط قولهم هو الأولى.
فائدة:
حديث: أيكم أمَّ الناس فليخفف قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتاب الصلاة: استدل به النقارون.
* * * فائدة:
روى مالك بسند صحيح عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه صلى الفجر بسورة البقرة، فقيل له: كادت الشمس أن تطلع! فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين.
* * * 223\123 قال في المتن: [ وانتظار داخل إن لم يشق على المأموم ] .

قال في الشرح: [لحديث ابن أبي أوفى كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم رواه أحمد وأبو داود
قال شيخنا -أثابه الله تعالى- وفي هذا دليل على أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة.
وهل هذا خاص بالركعة الأولى؟
الصحيح أنه عام في جميع الركعات.
وبعض العلماء قال: لا يجوز أن ينتظر الداخل؛ لأنه -الإمام- زاد زيادة لغير الله، ولكن رد هذا بعض العلماء فقالوا: إن زيادته لمصلحة.
* * * مسألة:
إذا دخل الرجل مسرعا، فهل ينتظره الإمام أم يرفع عقوبة له؛ لأنه ارتكب النهي بالسرعة؟
الصحيح أنه ينتظره وذنبه عليه.