إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
فتاوى الزكاة
110672 مشاهدة
ثالثا العاملون عليها

ثالثا : العاملون عليها:
أما العاملون عليها فهم الجباة الذين يجمعونها، فهم يجبون الزكاة ويجمعونها من أهلها، ويسمون العمال والعاملين.
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث من يجبي الصدقات من أهلها وبالأخص من البوادي؛ وذلك لأن أغلب أموال الناس في ذلك الزمان كانت بهيمة الأنعام، فكان يحتاج إلى من يذهب إليهم ليجمعها، فيعطي الذين يذهبون أجرتهم، أو حقا مقابل تعبهم ومقابل عملهم، ولكنه يحثهم على الأمانة، ويحثهم على ألا يخفوا شيئا من الصدقة وأن يعطوا من يرونه مستحقا للزكاة من الفقراء والمساكين، فإذا أتيتم إلى البوادي: فوجدتم هذا غنيا عنده زكاة غنم وإبل، وهذا فقير ليس عنده شيء، فلكم أن تأخذوا من هذا الغني وتعطوا هذا الفقير، وما بقي عندكم تأتون به إلينا لنتولى توزيعه ونعطيكم حق تعبكم وأجرتكم. فكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحثهم على ذلك.
وقد ورد في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال : هدايا العمال غلول ومعناه أن العامل لا يقبل هدية من أحد عن الزكاة، وكذلك لا يقبل ضيافة مخافة أنه إذا قبل ضيافة أو قبل هدية يتغاضى عن صاحبها، وإذا لم يهد له أو لم يكرمه لم يضيفه ظلمه وزاد عليه وأخذ منه مالا يستحق، بل يكون عفيفا ويكون بعيدا عن أن يستضيف أحدا أو يقبل من أحد هدية، فإذا أهدي إليه فلا يقبل الهدايا.
وفي قصة ابن اللتبية أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعثه مزكيا للأغنام والإبل فجاء وقال : هذا لكم وهذا أهدي إليّ، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام خطيبا وقال: ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إليّ ؟! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟! ثم أخذ يوبخهم على الغلول فقال: والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر . وأخذ يعدد من أصناف المال، فكأنه يعرّض بأن هذا الفعل يعتبر غلولا.
والله تعالى يقول: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أي عقوبة له أنه يحمل ما غله، ويأتي به حتى يتمنى التخلص منه.
فاعتبر هذا هدية واعتبره غلولا، لأنه إذا أهدي إليه تغاضى عنهم، فإذا جاء إلى أناس وزكاتهم -مثلا- عشر من الغنم وخمس من الإبل المتوسطة، فأهدوا إليه شاة أو ضيفوه وأكرموه، فإنه يستحي منهم، فيأخذ من الغنم رديئها، ومن الإبل رديئها، فيأخذ منهم دون ما يجب عليهم، لأنهم أكرموه، فبدلا من أن يأخذ الشاة التي قيمتها أربعمائة يأخذ ما قيمتها مائتان وهكذا.
فهذا ظلم للفقراء، وهذا اعتبر غلولا، فإذا إذا لم يقبل هديتهم فإنه يأخذ الواجب، وقد تقدم أنه يأخذ الأوسط، فلا يأخذ الأردى والأدون ولا يأخذ الخيار والنفيس.
وفي زماننا هذا تفرض الحكومة للعمال رواتب شهرية كسائر الموظفين، فإذا كان كذلك، فإنه لا يحق لهم أن يخفوا شيئا من هذه الزكوات، بل يعتبرون كوكلاء يجمعونها ويدخلونها في بيت المال، ولا يحل لهم منها شيء لا قليل ولا كثير، وذلك لأن الحق الذي فرضه الله لهم، إنما هو إذا لم يكن لهم شيء مسمى من الدولة، فإذا قيل لهم: لا نعطيكم شيئا، ولكن خذوا قدر ما تستحقونه لإعاشتكم، فيأخذون بقدر حقهم، فلا ظلم على العامل ولا ظلم على الموكل، أما إذا فرض لهم فليس لهم أن يتجاوزوه.