شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
shape
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
93002 مشاهدة print word pdf
line-top
رؤية المؤمنين لله في الجنة

...............................................................................


وأما قوله:
والمؤمنون يرون حقا ربهم
وإلى السماء بغير كيف ينزل
ففي هذا البيت عقيدة المسلمين؛ إثبات الرؤية وإثبات النزول. رؤية المؤمنين لربهم من أفضل النعيم؛ يعني أن من أكبر نعيم المؤمنين أن يتنعموا برؤية الله في الجنة؛ عندما يكشف الحجاب فينظرون إليه فلا يكون شيء ألذ عندهم من نظرهم إلى ربهم سبحانه وتعالى، وقد وردت الأدلة على ذلك كثيرة. من القرآن قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .
لا شك أن هذا نظر صريح، ودليل واضح أنها تلك الوجوه التي في غاية الإشراق وفي غاية الإنارة لقَّاهم نضرة وسرورا كانت سببا في رؤيتهم. لما نظروا إلى الله تعالى أشرقت وجوههم.
ومن ذلك أيضا فسر قول الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ الزيادة هي النظر إلى وجه الله تعالى. للذين أحسنوا الحسنى يعني: الجنة، وزيادة يعني: النظر إلى وجه الله تعالى، ولا يرهق وجوههم إذا دام النظر إلى ربهم قتر. ليس مثل الكفار في قول الله تعالى: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ يعني: ظلمة أو وحشة؛ بل وجوههم تشرق وتضيء إذا نظروا إلى ربهم، وكذلك قول الله تعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ دليل على أنهم يرون ربهم، فُسِّرَ المزيد بأنه النظر إلى وجه الله تعالى.
وكذلك الشافعي -رحمه الله- سُئل عن دليل النظر إلى الله تعالى فقال: قول الله عز وجل: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ وذلك لأنه أخبر بأن الكفار محجوبون عن الله فيدل على أن المؤمنين ليسوا بمحجوبين، ولو كانوا لا ينظرون إلى الله لكانوا محجوبين، فلا يكون هناك فرق بين المؤمنين والكفار، فلما حَجَبَ الكفار في غاية الغضب دل على أنه لا يحجب المؤمنين في غاية الرضا.
كذلك يعني: آيات اللقاء في قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ اللقاء عند العرب هو المعاينة أي: نظره إلى ربه، والأدلة كثيرة من السنة أحاديث كثيرة قد تزيد عن عشرين صحابيا أو ثلاثين أوردها ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الذي هو (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح)، وأوردها الشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله- في كتابه معارج القبول، وهي صريحة. من أصرحها حديث جرير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر مرة إلى القمر في ليلة أربعة عشر فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته وحديث عن أبي هريرة وأبي سعيد أن ناسا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ هل نرى ربنا في الجنة؟ قال: هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا. قال: هل تضامون في رؤية الشمس صحوا ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم ترونه كذلك .
وذكروا الحديث بطوله مروي في الصحيحين، وكذلك حديث أبي موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن صريح في أنه ما بينه وبين أن ينظروا إليه إلا هذا الرداء؛ رداء الكبرياء، فإذا كشفه فإنهم ينظرون إليه. وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ورؤيتهم لله تعالى هي غاية لذتهم، وهي غاية نعيمهم. إذا نظروا إلى ربهم لم يلتفتوا إلى شيء حتى يحتجب عنهم.

line-bottom