اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
أخبار الآحاد
49667 مشاهدة
مناقشة من يقول الإجماع منعقد على عدم تكفير مخالف خبر الواحد

11-    ومنها قولهم: إن الإجماع منعقد على عدم تكفير مخالف خبر الواحد وتفسيقه ، وما ذاك إلا لأنه لا يفيد العلم، فليس كالمتواتر الذي يكفر ويبدع من رده بدون تأويل.
     فيُقال : نحن قد ذكرنا أن العلم بالخبر متفاوت بحسب معلومات من وصل إليهم ، وأن من السامعين من يقطع بكذب بعض الأخبار، اعتقادا لخطأ الناقل أو كذبه، أو يراها مخالفة لما يعرفه ويفهمه من ظواهر النصوص، وهو مخطئ في نفس الأمر، ولكنه معذور لاجتهاده. ومنهم من يصدق بالخبر ولكن لا يرى دلالته ظاهرة.
     وعلى هذا فيجب علينا أن نحسن الظن بمن رأيناه قد خالف بعض الأخبار الصحيحة، فنحمل ذلك على أن الخبر لم يصل إليه، أو لم يصح عنده ، أو رأى له محملا أو تأويلا دفعه به، أو نحو ذلك. وعلى هذا يحمل ما روي عن بعض الصحابة من رد بعض الأخبار التي ثبتت عند المحدثين لا على أنها لا تفيد العلم.
     فأما إذا تحققنا ثبوت الحديث عند شخص، وعدم ما يسوغ له رده، ثم رأيناه بعد ذلك لم يقبله ، أو ترك العمل به بدون عذر أو تأويل، فإننا -بعد إقامة الحجة عليه وإبائه- نلتزم تبديعه وتفسيقه بذلك.
     وقد اشتهر عن الأئمة رجوعهم إلى الأحاديث متى صحت عندهم ، ونبذهم لما سواها، مما كانوا يقولون به أو يرونه قبل ذلك ، وهكذا اشتد نكيرهم على من خالفها بدون تأويل إلى غيرها من الآراء وأقوال الرجال. وما ذاك إلا لثبوتها عندهم وإفادتها العلم اليقيني والله أعلم.