الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
من كتاب المواهب الجلية في المسائل الفقهية للشيخ عبد الرحمن السعدي
11889 مشاهدة
العدد الذي تصح معه الجمعة

...............................................................................


ذكر بعد ذلك العدد الذي تصح بهم الجمعة، الفقهاء يقولون: لا بد من أربعين، إذا نقصوا عن أربعين يصلون ظهرا هكذا في كتب الفقهاء غالبا، وقالوا: إن الجمعة مشتقة من الجمع الذي هو كثرة العدد، فإذا كانوا قليلا فلا يُسمون جمعًا، بل يصيرون جماعة، فيصلون ظهرا، واستدلوا أيضا بحديث عن كعب بن مالك ولكنه واقعةُ عَينٍ، يقول: إن أول جمعة أقيمت في المدينة في هزم النبيت جمع بهم أسعد بن زرارة بعد أن هاجر إليهم بعض المهاجرين فاجتمعوا وصلوا جمعة. ثم استمروا بعد ذلك.
فهذا يقول: كم كنتم؟ قال: كنا أربعين أو نحو أربعين أو فوق الأربعين، ولكن ما قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تجمعوا إلا إذا كنتم أربعين، بل أطلق ذلك؛ يعني الجمعة.
وقد أمر الله تعالى بالإتيان إليها، قال تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ولم يقل إذا كنتم أربعين، ولم يحدد العدد.
اختُلف في العدد الذي تنعقد بهم الجمعة، فأكثر الفقهاء على أنه لا بد من الأربعين وما زاد، هذا دليلهم حديث كعب وكذلك أيضا تعليلهم بأن الجمعة مشتقة من الجمع.
والقول الثاني: أنها تصح باثني عشر، قالوا: إن في حديث جابر في سبب نزول قول الله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا قالوا: إنهم لما سمعوا خبر تلك التجارة خرجوا ولم يبق إلا اثنا عشر، ولكن إنهم قد رجعوا؛ بعدما سمعوا صوت التجارة، خرج كثير -يمكن خرج ثلاثة الأرباع- ثم رجعوا بعدما رأوا ما رأوا، وأتموا صلاتهم.
فلذلك قال بعضهم، أو ذهب بعضهم؛ كالمالكية إلى أنها تصح باثني عشر، وذهب آخرون ومنهم شيخ الإسلام إلى أنها تصح بثلاثة، حُكي هذا القول عنه كما في الاختيارات، وكما نقل ذلك صاحب الإنصاف وإن كان اعتماده على الاختيارات.
ولكن ما رأينا في كلامه ما يدل صراحة على ذلك، بل إن له رسالة الماردينيات رسالة أو كتاب اسمه المسائل الماردينيات ذكر فيها: أن صلاة الجمعة يشترط لها العدد الأربعون؛ وذلك بِناءً على أن هذا هو المعتمد، وهذا هو الذي تتابع عليه الفقهاء في المذهب الحنبلي. هذا هو الذي اشتُهِر.
الشيخ هاهنا لم يذكر عددًا، قال: ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في اشتراط الأربعين في الجمعة والعيدين شيء, فالصواب أنه لا يُشترط لهما الأربعون، ولم يذكر العدد الذي تصح بهم الجمعة، حيث إن هناك من قال: لا تصح إلا بأربعين، ومنهم من قال: لا تصح إلا بعشرين وغير ذلك من الأقوال.