اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
تفاسير سور من القرآن
67503 مشاهدة
فتنة التصوير وأثرها

...............................................................................


وذكر المؤرخون وأصحاب الأخبار أن بين نوح وآدم عشرة قرون كلها كانت على دين الإسلام، وكان في قوم نوح رجال صالحون من أفاضل الناس في العبادة والزهد وطاعة الله، وهم ود ويغوث ونسر ويعوق.
فلما ماتوا صور قومهم صورهم وبنوا عليهم مساجد، وصاروا إذا نظروا إلى صور أولئك الصالحين بكوا بكاء شديدا، ونشطوا في العبادة لما يعلمون من صلاح أولئك القوم، وما كانوا عليه من العبادة. فتطاول بهم الزمان حتى مات أهل العلم وبقي الجهال؛ فجاءهم الشيطان فقال لهم: إنما كانوا يعبدون هؤلاء ويسقون بها؛ فعبدوهم. وذلك أول كفر وقع في الأرض.
وعلم بذلك أن أول كفر وقع في الأرض إنما جاء عن طريق التصوير، فكثير من الناس الذين لا يفهمون يقولون: هؤلاء المنتسبون للعلم يشددون النكير في التصاوير ويحرمون التصوير. والتصوير ليس فيه جناية على مال ولا على نفس، ولا على عرض؛ فأي ذنب عظيم في التصوير؟ وأي بأس فيه؟ ويظنون لجهلهم أن أمره خفيف!!
والتصوير له أثره البالغ في إفساد الدنيا، وإفساد الدين أولا وآخرا. أما أولا - فالتصوير هو سبب أول كفر وقع في الأرض تحت السماء؛ أوله تصوير صور أولئك القوم الصالحين الذين صوروهم بقصد حسن، وكانوا إذا رأوا صورهم بكوا وأنابوا إلى الله، وجدوا في العبادة؛ لما كانوا يعلمون من صلاح أولئك القوم الذين صوروا صورهم.
ثم تطاول بهم الزمان إلى أن كانت تلك الصور أوثانا تعبد من دون الله. ولذا عارضوا نبي الله نوحا في عبادتهم أشد المعارضة وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا فعلم أن التصوير كان أول جناية شركية وقعت في الدنيا، وهذا الأثر السيئ التاريخي يدل على عظم شره -قبحه الله.
وكذلك في الآخر كان من أعظم الأسباب التي ضيعت أخلاق المسلمين، وذهبت بعقولهم ومكارمهم؛ لأن الذين يريدون ضياع الإسلام يسعون كل السعي في أن يصوروا النساء عاريات الفروج، ويطبعون صورها في الصحف والمجلات، ويرسلونها لأقطار الدنيا.
فإذا رأى الشاب الغر المسكين صورة فرج الخبيثة باديا تحركت غريزته، وقامت شهوته، وسافر إلى البلاد التي تمكنه فيها الحرية، وإشباع رغبته الغريزية التي لم يقيدها تقوى، ولم يزمها إيمان ولا ورع ولا مروءة؛ فصار التصوير في الأحوال الراهنة له أيضا أثره البالغ في ضياع الأخلاق وانتشار الرذيلة والقضاء على مكارم الأخلاق -قبحه الله .
ويكفي أن الله جل وعلا له الأسماء الحسنى والصفات العلا، ومن أسمائه العظيمة التي تحتها غرائب وعجائب تفتت الأكباد اسمه الْمُصَوِّرُ جل وعلا؛ فهو جل وعلا من أسمائه الأزلية التي سمى بها نفسه الْمُصَوِّرُ واسمه الْمُصَوِّرُ تحته من غرائب صنعه وعجائب قدرته ما يبهر العقول لمن كان له عقل أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ .
ومما يوضح عظمة هذا الاسم، وما يشير إليه من كمال قدرة الله وعظم علمه وإحاطته بكل شيء -أن ينظر الواحد منكم إلى الحجيج يوم جمرة العقبة، فيجد الناس بهذه الكثرة العظيمة مع اختلاف ألوانهم وأشكالهم وبلادهم وهيئاتهم.
ويجد الجمع مصبوبين صبة واحدة.
فالأنف موضوع في محله، والعينان في محلهما، والأذنان في محلهما، والفم في محله، وكل عضو موضوع في موضعه من الجميع. والله يصور كل واحد منهم صورة مستقلة يطبعه عليها بعلمه وقدرته لا يشاركه...