جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
shape
شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
109466 مشاهدة print word pdf
line-top
باب: عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير

قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير.
قال أبو عبد الله حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- يحدث أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتوفي بالمدينة فقال عمر بن الخطاب أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري؛ فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا قال عمر فلقيت أبا بكر الصديق فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان فلبثت ليالي.
ثم خطبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا قال عمر قلت: نعم، قال أبو بكر فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولو تركها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ قبلتها.
قال أبو عبد الله حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة -رضي الله تعالى عنهما- قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنا قد تحدثنا أنك ناكح درة بنت أبي سلمة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلى أم سلمة لو لم أنكح أم سلمة ما حلت لي؛ إن أباها أخي من الرضاعة .


هذا حديث عمر الذي أشرنا إليه؛ ابنته حفصة كانت مزوجة من هذا الرجل السهمي مات بالمدينة بعدما هاجر، ولما مات تأيمت أصبحت أيما، فكره أن تبقى بدون زوج، فجاء إلى عثمان وعرضها عليه وقال: هل لك أن أزوجك حفصة ؟ فعثمان قال: سأنظر في أمري، ثم بعد مدة يوم أو أيام اعتذر، وذكر أنه بدا له أن لا يتزوج الآن، ويمكن أن عنده زوجة.
وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- زوجه ابنته بعدما ماتت ابنته الأولى رقية زوجه أم كلثوم فلعله كره أن يتزوج ومعه بنت النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فالحاصل أنه اعتذر وقال: قد بدا لي أن لا أتزوج، لو وافق لزوجه عمر وكأن ابنته حفصة قد فوضت أباها، فقالت: لك أن تزوجني بمن شئت، ثم إنه عرضها على أبي بكر -رضي الله عنه-.
أبو بكر سكت لما عرضها عليه، ما قال : نعم، وما قال: لا حاجة لي فيها، فلما سكت استنكر عمر سكوته، استنكر أنه ما قال: نعم، ولا قال: لا، وكأنه وجد عليه ولكن تبين عذره بعد ذلك.
لبثوا أياما قليلة فخطبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتزوجها، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب أن يكون بينه وبين أكابر صحابته صلة رحم، فهو تزوج بنت أبي بكر عائشة لتقوى الصلة بينهما، وزوج عثمان بابنتيه لتقوى الصلة بينهما، وتزوج بنت عمر ليكون ذلك أيضا صلة قرابة وصلة مصاهرة بينهما، تزوج حفصة فأصبحت من أمهات المؤمنين، وفرحت بذلك وفرح بذلك أبوها.
اعتذر أبو بكر عن سكوته؛ وذلك لأنه قد سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكرها، كان -صلى الله عليه وسلم- يسر إلى أبي بكر ويخبره بالأشياء التي يعزم عليها فكان قد سمعه وهو يقول: إن حفصة بنت عمر تناسبني أو سوف أخطبها وأتزوجها، فلما كان قد سمع هذا كره أن يفشي هذا السر الذي أسره إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- هكذا اعتذر، فعذره عمر يقول: لو تركها لقبلتها.

line-bottom