إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
41794 مشاهدة
باب: ما يتقى من شؤم المرأة

باب ما يتقى من شؤم المرأة وقوله تعالى: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ .
قال أبو عبد الله حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن حمزة و سالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الشؤم في المرأة والدار والفرس .
قال أبو عبد الله حدثنا محمد بن منهال قال: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عمر بن محمد العسقلاني عن أبيه عن ابن عمر قال ذكروا الشؤم عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس .
قال أبو عبد الله حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن كان في شيء ففي الفرس والمرأة والمسكن .
قال أبو عبد الله حدثنا آدم حدثنا شعبة عن سليمان التيمي قال سمعت أبا عثمان النهدي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء .


في هذا الحديث قوله: الشؤم في ثلاث أو إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاث: في المرأة، أو الدابة أو المسكن ومعناه أن الرجل قد يتزوج المرأة ولا يجد في صحبتها راحة ولا فرجا ولا فرحا ولا سعة في الرزق، بل يجد أنها مشئومة وأنه منذ تزوجها والشر يأتي إليه، ففي هذه الحال إذا لم يجد خيرا في الزواج بها فعليه أن يفارقها يقول: إنها هذه مشئومة عليه، الشؤم: هو قلة الخير وقلة البركة، وعدم البركة في ماله أو في أهله أو نحو ذلك، قد يكون منذ تزوجها أصيب بمرض وتلف شيء من ماله، ومات أحد من أولاده أو من أهله، أو خسر في تجارته أو أصيب في نفسه أو ما أشبه ذلك.
وهكذا أيضا في الفرس وفي بعض الروايات الدابة يعني الدابة التي يركبها أو الفرس التي يركبها قد تكون أيضا مشئومة؛ بمعنى أنه يصيبه إذا تملكها شيء من الآفات والعاهات والأمراض والنقص من الأموال ومن الأنفس ومن الثمرات، وتسلط عليه المصائب وما أشبه ذلك، فيكون ذلك بسبب تلك الدابة.
وهكذا أيضا المسكن، قد يشتري سكنا ويسكنه ولا يجد فيه راحة؛ بل يسلط الله عليه آفات ومصائب وعاهات وما أشبه ذلك.
فهكذا ظاهر هذا الحديث، وقد اختلف في الجمع بينه وبين النهي عن الطيرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: الطيرة شرك وفسروا الطيرة بأنها التشاؤم بالأصوات أو المرئيات أو بالبقاع، أو ما أشبه ذلك، فهذا الحديث فيه رواية: الشؤم في ثلاث وفي رواية: إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاث فقال بعضهم: ليس ذلك على ظاهره، وإنما المراد أن أكثر الناس يتشاءمون بهذه الثلاث إذا تزوج امرأة فلم يوفق فيها قال: هذه قليلة البركة، فينصح بأن يفارقها، وإذا اشترى فرسا مثلا أو دابة ليركبها فلم يوفق فيها وأصيب بشيء من الآفات ونحوها قال: هذه الفرس مشئومة، منذ أن تملكتها، وأنا مسلطة عليّ المصائب والآفات وما أشبه ذلك فيفارقها، يبيعها أو ينحرها أو نحو ذلك.
وكذلك أيضا الدابة؛ يعني الكثير من الناس إذا سكن دارا أو اشترى دابة ولم يوفق فيها أخذ يعيبها ويسبها، ويقول: هذه الدابة قليلة البركة، وهذه الدار مشئومة منذ أن سكنا فيها ونحن نصاب بمصائب، تسلط علينا المصائب ويأتينا الشرور وتتلف أموالنا ونصاب في أنفسنا وما أشبه ذلك، يعني أن واقع الناس كذلك أنهم يتشاءمون، وإلا فإن الأصل أنهن سواء، أن الدور سواء، ليس للدار تأثير وليس للفرس تأثير، وكذلك أيضا ليس للمرأة.
يمكن أن يقال: إن المرأة قد تكون سيئة الخلق، وقد تكون ضيقة الصدر، ضيقة العقل، وتكون أخلاقها سيئة ومعاملتها سيئة وهي شريرة، فيتضرر الزوج منها ويلاقي منها الشدة والتعب، ففي هذه الحال عليه أن يتخلص منها، وإما أن ينسب المصائب إليها فيقول: ما نزلت بي المصائب إلا بسبب شؤمها، ما مات أحد ولدي إلا بسبب شؤمها، شؤم هذه المرأة أو الدار أو الفرس.
وكذلك ينسب إليها قلة الخير وقلة البركة نقول: لا يجوز ذلك، بل يعتقد أنها بقضاء وقدر، وكل شيء بقضاء وقدر، كل ما أصاب الإنسان فإن الله هو الذي قدره مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا فالمصائب والآفات التي تحصل على جنس الناس لا شك أنها مقدرة وليس سببها هذه الدار ونحوها.
وبكل حال نقول: لا مانع أن الإنسان يتخلص من هذه الأشياء حتى ترتاح نفسه، فإذا لم يجد من الزوجة راحة وطمأنينة فعليه أن يفارقها، ولكن لا يعتقد أن المصائب بسببها فهي بقضاء وقدر، وإذا اشترى فرسا مثلا أو دابة أو سيارة فحصلت عليه حوادث، وحصلت عليه مصائب فلا ينسب ذلك إلى تلك الدابة، ولا إلى تلك السيارة، ولا يقول: هذه سيارة غير مبروكة منذ أن اشتريتها وأنا في عذاب وأنا في نقص وأنا في ساعة، بل يقول: هذا قدر الله تعالى، الله هو الذي كتب علينا ذلك ولا مانع من أن يتخلص منها وأن يبيعها، لكن لا يعتقد أنها هي المؤثرة، وكذلك أيضا الدار إذا لم يوفق فيها فعليه أن يبدلها وأن يتركها ويجد غيرها.
فإنك واجـد أرضــا بــأرض
ونفسك لن تجد نفسا سواهـا
ثم يمكن أن يكون بعض الأماكن فيها جيران مشئومون أو أشرار، ففي هذه الحال يكون الضرر من المجاورين، وقد يكون أيضا تسكنها الجن أو نحوهم فيتضرر أيضا حيث إن كثيرين يقولون: منذ سكنا هذه الدار يتسلط علينا الجان ونحس بأصواتهم ونحس بأنهم يرجموننا، وأنهم يغلقون الأبواب، وأنهم يقلقون راحتنا، في هذه الحال يكون شيئا محسوسا، ولكن لا ينسبه إلى الدار، ولكن إلى سكانها الذين حولها ولهم مع ذلك أن يستعيذوا من شرهم وأن يخرجوهم حتى يبتعدوا عنهم.
أما قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء فمراده بالفتنة هنا فتنة الشهوة؛ أي أن الكثير من الرجال إذا أطلقوا أنظارهم وأبصارهم فإنهم قد يفتتنون بما يرونه وبما يلاقونه وبما يسمعونه، إما بالنظر إلى امرأة متبرجة ... يكون النظر إليها فتنة، وإما بسماع صوت من امرأة، صوت مرخم، صوت رقيق يكون أيضا سببا لافتتان من يسمع ذلك الصوت من تلك المرأة، هو إما بصفتها وإما بصورتها وما أشبه ذلك؛ ولا شك أن هذا شيء واقعي، وأن الكثير من الرجال الذين يطلقون أنظارهم وأبصارهم في النساء المتكشفات أو الماشيات المتجملات أن ذلك يوقع في قلوبهم هذه الفتنة، بحيث إن أحدهم يتعلق قلبه بتلك المرأة، ثم إذا تعلق قلبه بها متى يتخلص ذلك الحب الذي في قلبه وتلك الشهوة التي تتبعه إليها؟ فلأجل ذلك:
أولا: يؤخذ على أيدي النساء، فلا تمكن المرأة من البروز والخروج أمام الرجال؛ حتى لا يكون ذلك فتنة لمن ينظر إليها أو لمن يجتمع بها ويحتك بها، وذلك تخفيف للفتنة، وكذلك أيضا يؤمر الرجال بأن يبتعدوا عن المجتمعات التي يكثر فيها سواء بالنساء اللاتي بهذه الصفة، بصفة التكشف وبصفة التبرج وما أشبه ذلك؛ ليكون ذلك سببا في الوقاية من الفتنة، الله تعالى أخبر بأن كثيرا من هؤلاء فتنة، يقول الله تعالى: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ قيل إن هذه عداوة حسية بمعنى أن الزوجة قد تكون مضمرة لزوجها العداوة والبغضاء، وقيل: إنها عداوة معنوية، بمعنى أنه بسبب سعيه عليها فيظل أو يعمل أعمالا سيئة تغضب الله تعالى عليه؛ فتكون هي السبب في هذه المساوئ وفي هذه الأعمال السيئة.
وكذلك يقال في الولد: أن الولد قد ينقلب عدوا لدودا لوالده، وقد تكون العداوة معنوية؛ بمعنى أنه يحمله على المعاصي، يوقعه في شيء من المعاصي أو في ترك شيء من الطاعات، كما ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الولد مبخلة مجبنة بمعنى أنه يحمل أباه على البخل وإمساك المال وعدم الإنفاق شحا بالمال وخوفا على أن يفتقر أولاده، ومجبنة: أي أنه يحمله على الجبن الذي هو ترك الغزو وترك القتال؛ خوفا من ضياع أولاده، ودليل ذلك الآية التي بعدها قوله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ يعني أن الله تعالى يفتنكم بهذه الأموال وبهؤلاء الأولاد؛ ليظهر من يؤدي حقوقهم وحقوق الله تعالى ومن لا يكون كذلك.
وهذا الحديث يقول: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء خص الضرر بالرجال، ولا شك أيضا أن النساء أيضا قد يتضررن بنظرهن إلى الرجال، وتفتتن المرأة بنظرها إلى الرجال الأجانب بما يدفعها إلى الإثم، وإلى الميل إلى ذلك الرجل الذي أعجبت به؛ فلأجل ذلك لا بد أن الرجال يحموا أنفسهم ويحفظوها عن أن يفتتنوا بالنساء، وكذلك النساء لا بد أنه يؤخذ على أيديهن ويمنعن أن يتبرجن، وكذلك أن ينظرن إلى الرجال الذي النظر إليهم قد يكون سببا في الافتتان، افتتان النساء بالرجال أو الرجال بالنساء.
فإذا حفظ كل منهم نفسه، وتعفف وابتعد عن أسباب الفتنة حفظه الله تعالى، وإذا أطلق نظره، أو فكره كان ذلك سببا في الافتتان، والافتتان هاهنا الوقوع في المعاصي، إما الوقوع في الفواحش، وإما الوقوع في التعذيب أن تبقى نفسه معذبة في .. وبحبه لتلك المرأة وبتمنيه بالاتصال بها كما هو الواقع ..، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد .