إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
45842 مشاهدة
باب: كثرة النساء

باب من لم يستطع الباءة فليصم.
قال أبو عبد الله حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال: حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال: حدثني عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد قال: دخلت مع علقمة والأسود على عبد الله فقال عبد الله كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- شبابا لا نجد شيئا فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
باب: كثرة النساء.
قال أبو عبد الله حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني عطاء قال: حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف فقال ابن عباس هذه زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وارفقوا فإنه كان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- تسع كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة.
قال أبو عبد الله حدثنا مسدد قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة وله تسع نسوة .
وقال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد عن قتادة أن أنسا حدثهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال أبو عبد الله حدثنا علي بن الحكم الأنصاري قال: حدثنا أبو عوانة عن رقبة عن طلحة اليامي عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس هل تزوجت ؟ قلت: لا، قال: فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء.


قال الله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ثم نعرف خلافا بين العلماء، هل الأصل في النكاح التعدد، أم الأصل الإفراد، فالذين قالوا: الأصل التعدد قالوا: إن الله تعالى بدأ به في هذه الآية مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وأما الإفراد فقال: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً .
والذين قالوا: إن الأصل الإفراد قالوا: إن العدل شديد وثقيل على الكثير، ودليل ذلك قول الله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ أي أنه شديد، وإذا كان شديدا فالاقتصار على الواحدة أولى؛ لذلك قال: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً مع قوله: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ إذا مال أحدهم إلى إحدى امرأتيه بقيت الأخرى معلقة، لا أيما ولا ذات زوج تتألم وتلاقي من الصعوبات الشيء الكثير؛ فلذلك فضلوا الاقتصار على الواحدة.
ولكن بكل حال الأحوال تختلف، والقدرات تختلف، فمن وثق من نفسه بأنه يعدل بين المرأتين أو الثلاث أو الأربع، ويعطي كل واحدة حقها؛ فإن الأصل في حقه أن يعدد.
وفي ذلك فوائد منها: كثرة من يعفه من النساء، يعف هذه وهذه وهذه، ومن الفوائد أيضا كثرة من ينفق عليه، ينفق على أولاده وينفق على بناته وينفق على زوجاته، من الفوائد أيضا تكثير النسل، ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ومنها أيضا: تحقيق ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- في أسباب الخيرية بقوله: فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء .
ثم ذكروا العلماء في كل زمان. فإذا كان كذلك، أضيف إلى ذلك أن الرجال يعتريهم الموت والغزو، وكثرة التعرض للقتل للأشخاص وما أشبه ذلك يحدث الموت فيهم كثيرا، ويحدث القتل؛ فيبقى كثير من النساء بدون أزواج، فمن حكمة الله تعالى أن شرع التعدد؛ حتى لا يبقى أحد من الأيامى بدون زوج يعفها، ويحصل لها منه أولادا ويكون لها منفعة في وجود الأولاد والذرية الصالحة الذين ينفعونها في الحال وفي المآل.
فلذلك ورد هذا الحديث: أن خير هذه الأمة أكثرها نساء ولكن ذلك مشروط بما ذكر وهو التحقق من العدل، وإعطاء كل امرأة حقها ونصيبها.
أما الذين لا يعدلون فإنه ورد وعيد في حقهم شديد، ورد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط يعني علامة على ميله، كأنه لما مال إلى إحداهما عوقب بأن سقط شق أحد شقيه؛ أى مات كالمشلول الشلل النصفي، يظهر عليه .. علامة وعقوبة له على هذا الميل.
ففي هذه الأحاديث أنه -صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه يفضل أو يحث على كثرة الزواج، وكثرة النساء.
أما هو -صلى الله عليه وسلم- فأباح الله له ما لم يبح لغيره من أمته؛ أباح له النكاح مدى الأجل حتى اجتمع عنده تسع نسوة، فمجموع الذي تزوجهم إحدى عشرة، وأما الذين اجتمعوا عنده فإنهن تسع وكان من بينهن سودة بنت زمعة وهي أول من تزوج بعد خديجة وهي كبيرة في السن، ففي آخر حياته خافت أن يطلقها وأحبت أن تبقى مع نسائه؛ لتكون زوجة له في الآخرة فاصطلحت على أن تتنازل عن ليلتها، وأن تهب ليلتها لعائشة .
لما رأت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب عائشة فعند ذلك كان يقسم لعائشة ليلتين، يقسم لثمان، والبقية إنما لكل واحدة ليلة؛ أي من السبع، فيدور عليهن في كل تسعة أيام إلا أنه يجعل لعائشة ليلتين، وكان يجتهد في العدل، تقول عائشة : كان -صلى الله عليه وسلم- يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب؛ فإن التسوية في المحبة القلبية غير مقدور عليها، فالله تعالى هو الذي يضع المحبة في القلب.
ذكر في هذه الأحاديث، أو في هذا الحديث أنه كان يدور عليهم في ليلة واحدة، يعني أعطاه الله القوة على أنه يدور على الثمان في ليلة واحدة، فيجمع الغسل، وقيل: إنه يغتسل بعد كل واحدة، يطأ هذه ثم يغتسل، ثم يذهب إلى الثانية، فكذلك.
وقيل في بعض الروايات: إنه يغتسل غسلا واحدا، وبكل حال هذا دليل على أن الله تعالى خصه بهذه الخصيصة في النكاح، حيث أباح له العدد، هذا العدد الذي وصل إلي اجتماع هؤلاء التسع عنده.
وهذا لا يحل لغيره، قال الله تعالى: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ إلى آخر الآية، ثم قال تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ تقول عائشة لما نزلت هذه الآية قلت: أرى ربك يوافق على هواك، أي ما تتمناه وما تهواه، ثم إن الله تعالى منعه من أن يتزوج غيرهن في الآية بعدها؛ لقوله: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ يعني بهذه الأزواج أزواجا غيرهن ولو أعجبك حسنهن. فأمسك نساءه اللاتي أحل الله تعالى له.
ثم إن كثيرا من الأعداء في هذه الأزمنة يطعنون فيه ويقولون: إنه شهواني وإنه ليس له هم إلا النكاح، وأنه منع أمته من التعدد، وأباح لنفسه هذا العدد، وأنه ليس له هم إلا شهوة فرجه؛ فيعيبونه في ذلك، وإذا نظرنا في سيرته وإذا هو لم يفعل ذلك لإرضاء الغريزة الشهوانية، ولكن لحكمة أو لحكم؛ وذلك لأن السنة والشريعة تنقسم إلى قسمين: قسم يعرفه الرجال، ويحفظونه، وقسم يختص بالنساء؛ فجعل الله تعالى زوجاته ينقلن السنة التي تختص بالنساء فيما يتعلق بخصائص النساء وحاجاتهن، هذا من الحكمة؛ أن جعل الله له هذا العدد حتى لا تضيع السنة، والشريعة فيما يتعلق بقسم النساء في أمور الحيض وفي أمور النفاس، وفي أمور الطهر والاغتسال، وكيفيته، وما لا يطلع عليه الرجال، وما أشبه ذلك.
ولأجل ذلك حفظ عن نسائه كثير من السنة، روت عائشة الكثير، حتى زادت أحاديثها على الألف أو قاربت الألفين، وكذلك أم سلمة وكذلك كثير من نسائه، روين الأحاديث لم يروها الرجال.
ونرد عليهم في قولهم: إنه شهواني، نقول: لو كان كذلك لكان يختار أجمل النساء، ويختار أبكارا؛ فإنه لم يتزوج بكرا إلا عائشة كل نسائه ثيبات، يعني من المطلقات أو المتوفى عنهن، وأنه أيضا تزوجهن جبرا لأنفسهن، فتزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان لما مات زوجها وهي بالحبشة، فرأى أن يتزوجها؛ لأجل أن ينجبر ما حصل لها من موت زوجها، وتزوج أم سلمة لما مات زوجها بعد أن هاجرت معه إلى المدينة وكانت ذات أطفال، فتزوجها لأجل أن يجبرها.
وكذلك تزوج جويرية بنت الحارث لما أنها سبيت مع سبي بني المصطلق، وكانت بنت أحد رئيسهم أو شريكهم، وعلم أن الصحابة سوف يعتقون سباياهم، ولما تزوجها أعتق نحو مائة بيت من سبي بني المصطلق وقالوا: أصهار رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
وكذلك تزوج صفية بنت حيي ؛ لأنه قتل أبوها، وقتل أيضا زوجها، فأراد أن يتزوجها ولو كانت من السبي؛ ليكون ذلك أيضا تأليفا لها وجبرا لها، وكذلك يقال في سائر زوجاته -صلى الله عليه وسلم- أنه تزوجهن لحكمة، وأنه لو أراد أن يتزوج أبكارا لوجد كثيرا.
تزوج أيضا حفصة بنت عمر لما مات أيضا زوجها، وليكون بينه وبين أبيها عمر بن الخطاب صلة رحم ومصاهرة وكما حصل لأبي بكر .
كل ذلك دليل على أنه يحرص على المودة وعلى الرحمة، وعلى التأليف، وعلى إيصال الخير إلى مستحقيه، كل ذلك ظاهر في سنته -صلى الله عليه وسلم-.