إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
46041 مشاهدة
باب: تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام

باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام، فيه سهل بن سعد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أبو عبد الله: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثني قيس عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- أنه قال كنا نغزو مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس لنا نساء فقلنا يا رسول الله! ألا نستخصي فنهانا عن ذلك .


حديث سهل الذي أشار إليه البخاري يأتينا في هذا الكتاب في قصة الرجل الذي زوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك المرأة على أن يعلمها آيات من القرآن فقال: زوجتكها بما معك من القرآن .
هذا دليل على تزويج المعسر، وأن الإنسان إذا تقدم لخطبة امرأة وليس هو من الأهلية، ولا من أصحاب الأموال الطائلة فإن الأصل أنه يزوج؛ وذلك ليتحقق قول الله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فيزوج ولو كان معسرا ويحرصون على أن يزوجوه بما يساعده، وبما تقوم به حياته ويحرص هو أيضا على أن يتكسب، ويجمع من المال الحلال ما يكون أيضا سببا في بقائه مع زوجته، ومضي الحياة الزوجية كما يرام، هذا وله دلالات أخرى مذكورة في شرح الحديث، كذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبر بفضل التزويج وفضل الزواج، قد ثبت أنه أخبر بأن الله تعالى يعين المتزوجين وأن من تزوج بقصد التعفف فإن الله تعالى يعينه ويساعده، ويفتح عليه باب الرزق كما في هذا.
ذلك الرجل الذي زوجه هذه المرأة الواهبة لا بد أنه عاش معها كما يعيش غيره من الفقراء، وأن الحال بينهما صحت واستقامت؛ فكذلك الترغيب في إنكاح الفقراء ونحوهم.
في هذا الحديث ذكر فيه ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهاهم عن الاختصاء؛ وسبب ذلك أنهم كانوا عزابا، وكانوا فقراء لا يستطيعون النكاح لقلة ذات اليد، والعادة أن الناس لا ينكحون فقيرا، الذي ليس معه ما يتعفف به.
فيقول: إننا صحبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن فقراء، ليس لنا كسب، كانوا ملازمين للنبي -صلى الله عليه وسلم- في حضره وسفره، إنما يأكلون مما يهدى له من الزكوات ومن الصدقات ومن الهدايا، وكذلك ما يتصدق عليهم به أو ما يتبرع به له أهل الأموال الذين هم من الأنصار ونحوهم، هذه كانت حالتهم، ومع ذلك شقت عليهم العزوبة حتى هموا بأن يختصوا.
ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهاهم عن ذلك؛ لأن الله تعالى سوف يفتح عليهم ويغنيهم من فضله؛ كما حصل بعد ذلك أنها كثرت الفتوحات وكثرت الغنائم وتوفرت الأموال، فتزوجوا وولد لهم أولاد فحصلت لهم خيرات؛ لم تحصل لو أنه رخص لهم في الاختصاء وما أشبه ذلك.
في تمام هذا الحديث بعض الروايات؛ أنه رخص لهم أن يتزوج أحدهم المرأة بقليل من المال، وفي ذلك دليل على تخفيف المهور، والحرص على أن يحصل للزوجين التساهل فيما بينهم، ولعله يأتينا أيضا هذا الحديث بزيادة فيه في موضوع آخر.